فصل
روي عن علي ـ (رضي الله عنه) (١) ـ في قوله تعالى : (وَالذَّارِياتِ) قال هي الرياح التي تذرو التّراب يقال : ذرت الرّيح التّراب وأذرت (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) يعني السحاب تحمل ثقلا من الماء (فَالْجارِياتِ يُسْراً) هي السفن تجري في الماء جريا سهلا (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) هي الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به ، أقسم بهذه الأشياء ، لما فيها من الدلالة على صنعته وقدرته (٢).
قال ابن الخطيب : والأقرب أن هذه صفات للرياح ، فالذاريات هي التي تنشىء السحاب أولا ، والحاملات هي التي تحمل السحب التي هي بحار (٣) المياه التي إذا سحّت جرت السيول العظيمة ، وهي أوقار أثقل من جبال. والجاريات هي التي تجري السحب عند حملها ، والمقسّمات هي الرياح التي تقسم الأمطار وتفرقها على الأقطار ، ويحتمل أن يقال : هذه أمور أربعة ذكرت لأمور أربعة بها تتم الإعادة ، لأن الأجزاء المتفرقة بعضها في تخوم الأرض ، وبعضها في قعر (٤) البحار ، وبعضها في جوّ الهواء ، وفي الأجزاء البخارية اللطيفة المنفصلة عن الأبدان فالذاريات هي التي تجمع الذرات من الأرض ، وتذرو التّراب من وجه الأرض والحاملات هي التي تجمع الأجزاء من الجو وتحمله حملا ، فإن التراب لا ترفعه الرياح حملا مستقلّا بل تنقله من موضع إلى موضع ، بخلاف السحاب فإنه يحمله في الجو حملا لا يقع منه شيء ، والجاريات هي الجامعة من الماء ، فإن من يجري السفن الثقيلة في تيّار البحار قادر على نقل الأجزاء من البحر إلى البرّ ، فإذن تبين أن الجمع من الأرض وجو الهواء ووسط البحار ممكن ، وإذا اجتمع ذلك كله بقي (٥) نفخ الروح ، وهي من أمر الله ، فقال : (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) يعني الملائكة التي تنفخ الروح في الجسد بأمر الله (٦).
قوله : (ذَرْواً) منصوب على المصدر المؤكد العامل فيه فرعه وهو اسم الفاعل (٧) ، والمفعول محذوف اختصارا (٨) إذ لا نظير لما تذروه هنا.
وأدغم أبو عمرو وحمزة تاء (الذَّارِياتِ) في ذال (ذَرْواً)(٩) وأما (وِقْراً) فهو
__________________
(١) سقط من أ.
(٢) قاله الإمامان البغوي والخازن في تفسيريهما ٦ / ٢٤١ وانظر أيضا القرطبي ١٧ / ٢٩ ، ومعاني الفراء ٣ / ٨٢ والزجاج ٥ / ٥١.
(٣) كذا في النسختين بالحاء جمع بحر ، وفي الرازي : بخار بالخاء.
(٤) في ب قعور وكذا في الرازي.
(٥) في الرازي : يبقى بالمضارعة.
(٦) وانظر : تفسير الإمام فخر الدين ٢٨ / ١٩٥.
(٧) وهو ذارية ـ بزنة فاعلة ـ.
(٨) والتقدير : والذاريات الأشياء ذروا.
(٩) وانظر : الإتحاف ٣٩٩.