وإن جاء بلفظ الإيتاء وهو المناولة ، فإن معناه الأمر بدليل قوله تعالى](١) : (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).
فقابله بالنهي ، ولا يقابل النهي إلا بالأمر ، بدليل ما تقدم ، مع قوله صلىاللهعليهوسلم «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا».
قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) أي : عذاب الله ، إنه شديد لمن عصاه.
وقيل : اتقوا الله في أوامره ونواهيه ، فلا تضيعوها ، ف (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٩)
قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ) فيه ثلاثة أوجه (٢) :
أحدها : أنه بدل من (لِذِي الْقُرْبى). قاله (٣) أبو البقاء والزمخشري (٤).
قال أبو البقاء : «قيل : هو بدل من (لِذِي الْقُرْبى) وما بعده».
[وقال الزمخشري (٥) : «بدل من (لِذِي الْقُرْبى) وما عطف عليه](٦) ، والذي منع الإبدال من «لله وللرسول» والمعطوف عليهما ، وإن كان المعنى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أن الله ـ عزوجل ـ أخرج رسوله صلىاللهعليهوسلم من الفقراء في قوله : (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) وأن الله ـ تعالى ـ يترفع برسوله صلىاللهعليهوسلم عن تسميته بالفقير ، وأن الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم اللهعزوجل.
يعني أنه لو قيل : بأنه بدل من «الله ورسوله» صلىاللهعليهوسلم وهو قبيح لفظا ، وإن كان المعنى على خلاف هذا الظاهر كما قيل : إن معناه لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وإنما ذكر الله ـ عزوجل ـ تفخيما ، وإلا فالله ـ تعالى ـ غني عن الفيء وغيره ، وإنما جعله بدلا من (لِذِي الْقُرْبى) ؛ لأنه حنفي ، والحنفية يشترطون الفقر في إعطاء ذوي القربى من الفيء (٧).
الثاني : أنه بيان لقوله تعالى : (وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)، وكررت لام الجر لما كانت
__________________
(١) سقط من : أ.
(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٩٥.
(٣) ينظر الإملاء ٢ / ١٢١٥.
(٤) الكشاف ٤ / ٥٠٣.
(٥) الكشاف ٤ / ٥٠٣.
(٦) سقط من : أ.
(٧) وقال الشافعي رحمهالله : لهم خمس الخمس يستوي فيه غنيهم وفقيرهم ، ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، ويكون لبني هاشم وبني المطلب دون غيرهم ، لقوله تعالى : «وَلِذِي الْقُرْبى» ، من غير فصل بين الغني والفقير. ينظر : الهداية ٢ / ١٤٨.