قوله تعالى : (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا). فيه وجهان (١) :
أحدهما : أن الحاجة هنا على بابها من الاحتياج إلا أنها واقعة موقع المحتاج إليه ، والمعنى : لا يجدون طلب محتاج إليه مما أوتي المهاجرون من الفيء وغيره ، والمحتاج إليه يسمى حاجة تقول : خذ منه حاجتك ، وأعطاه من ماله حاجته. قاله الزمخشري (٢).
فعلى هذا يكون الضمير الأول للجائين بعد المهاجرين ، وفي «أوتوا» للمهاجرين.
والثاني : أن الحاجة هنا من الحسد.
قال الحسن : حسدا وحزازة مما أوتوا المهاجرين دونهم ، وأطلق لفظ الحاجة على الحسد والغيظ والحزازة ؛ لأن هذه الأشياء لا تنفك عن الحاجة فأطلق اسم اللازم على الملزوم على سبيل الكناية.
والضميران على ما تقدم قبل.
وقال أبو البقاء (٣) : «الحاجة مس حاجة». أي : أنه حذف المضاف للعلم به ، وعلى هذا ، فالضميران ل (الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ).
وقال القرطبي (٤) : «يعني لا يحسدون المهاجرين على ما خصّوا به من مال الفيء وغيره ، كذلك قال الناس. وفيه تقدير حذف مضافين ، والمعنى : مس حاجة من فقد ما أوتوا ، وكل ما يجد الإنسان في صدره مما يحتاج إلى إزالته فهو حاجة».
فصل في سبب نزول الآية
قال القرطبي (٥) : كان المهاجرون في دور الأنصار ، فلما غنم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أموال بني النضير ، دعا الأنصار وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين في إنزالهم إياهم في منازلهم وإشراكهم في الأموال ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن أحببتم قسمت ما أفاء الله عليّ من بني النّضير بينكم وبينهم ، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السّكنى في مساكنكم وأموالكم ، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دياركم» ، فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ ـ رضي الله عنهما ـ بل نقسمه بين المهاجرين ، ويكونون في دورنا كما كانوا ، ونادت الأنصار : رضينا وسلّمنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار» وأعطى رسول الله للمهاجرين ، ولم يعط الأنصار إلا الثلاثة الذين ذكرناهم (٦).
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٩٦.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٠٥.
(٣) ينظر : الإملاء ٢ / ١٢١٦.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١٧.
(٥) السابق.
(٦) أخرجه البخاري ١٣ / ٢٧٨ ، كتاب الاعتصام ، باب : ما يكره من كثرة السؤال (٧٢٨٩) ، ومسلم ٤ / ١٨٣١ ، كتاب الفضائل ، باب : توقيره صلىاللهعليهوسلم (١٣٢ / ٢٣٥٨).