وفي هذه الضمائر قولان (١) :
أحدهما : أنها كلها للمنافقين.
والثاني : أنها مختلفة بعضها لهؤلاء ، وبعضها لهؤلاء.
فصل
اعلم أنه ـ تعالى ـ عالم بجميع المعلومات التي لا نهاية لها (٢) ، وقد أخبر تعالى أن هؤلاء اليهود لئن أخرجوا ، فهؤلاء المنافقون لا يخرجون معهم ، وكان الأمر كذلك ؛ لأن بني النضير لما خرجوا لم يخرج معهم المنافقون ، وقاتلوا أيضا فما نصروهم ، وهذا كما يقول المعترض الطاعن في كلام الغير : لا نسلم أن الأمر كما تقول ، ولئن سلمنا أن الأمر كما تقول إلا أنه لا يفيد ذلك فائدة فكذا ها هنا ذكر تعالى أنهم لا يخرجون معهم ، وبتقدير أن ينصروهم إلا أنهم لا بد وأن يتركوا النّصرة وينهزموا ، ويتركوا أولئك المنصورين في أيدي أعدائهم ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال : ٢٣].
[وقيل (٣) : معنى لا ينصرونهم : لا يدومون على نصرهم ، هذا على أن الضميرين متفقان على اختلاف الضميرين ، فالمعنى : لئن أخرج اليهود لا يخرج معهم المنافقون ، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) أي : ولئن نصر اليهود المنافقين ليولّنّ الأدبار](٤).
قوله تعالى : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً).
مصدر من «رهب» المبني للمفعول ، فالرهبة واقعة من المنافقين لا من المخاطبين ، كأنه قيل : لأنتم أشد رهوبية في صدورهم من الله ، فالمخاطبون مرهبون وهو قول كعب بن زهير ـ رضي الله عنه ـ في مدح رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [البسيط]
٤٧٥٢ ـ فلهو أخوف عندي إذ أكلّمه |
|
وقيل إنّك محبوس ومقتول |
من ضيغم بثراء الأرض مخدره |
|
ببطن عثّر غيل دونه غيل (٥) |
و «رهبة» تمييز (٦).
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٩٧.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٥١.
(٣) ينظر : القرطبي ١٨ / ٢٣.
(٤) سقط من : أ.
(٥) البيتان لكعب بن زهير من قصيدته المشهورة (بانت سعاد). ينظر ديوانه (٢٠) ، والمقرب لابن عصفور ١ / ٧١ ، ٧٢ ، واللسان (عثر) ، والدر المصون ٦ / ٢٩٨.
(٦) ينظر الدر المصون ٦ / ٢٩٧ ، ٢٩٨.