فصل في معنى الآية
المعنى (١) : لأنتم يا معشر المسلمين (أَشَدُّ رَهْبَةً) أي خوفا وخشية في صدورهم من الله ، يعني صدور بني النضير.
وقيل : صدور المنافقين ، ويحتمل أن يرجع إلى الفريقين ، أي : يخافون منكم أكثر مما يخافون من ربهم ، «ذلك» إشارة إلى الخوف أي ذلك الخوف (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) قدر عظمة الله وقدرته حتى يخشوه حقّ خشيته.
قوله تعالى : (لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً) يعني اليهود والمنافقين لا يقدرون على مقاتلتكم مجتمعين «إلّا» إذا كانوا (فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) بالخنادق والدّروب (٢) والحيطان [يظنّون](٣) أنها تمنعهم منكم ، (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) أي : من خلف حيطان يستترون بها لجبنهم ورهبتهم (٤).
قوله : «جميعا» حال ، و «إلّا في قرى» متعلق ب «يقاتلونكم» (٥).
وقوله : «جدر».
قرأ ابن كثير (٦) وأبو عمرو : «جدار» بالإفراد. وفيه أوجه (٧) :
أحدها : أنه السّور ، والسّور الواحد يعم الجميع من المقاتلة ويسترهم.
والثاني : أنه واحد في معنى الجمع لدلالة السياق عليه.
والثالث : أن كل فرقة منهم وراء جدار لا أنهم كلهم وراء جدار.
والباقون قرأوا : «جدر» ـ بضمتين ـ اعتبارا بأن كل فرقة وراء جدار ، فجمع لذلك.
وقرأ الحسن وأبو (٨) رجاء وابن وثاب والأعمش ، ويروى عن ابن كثير وعاصم : بضمة وسكون ؛ وهي تخفيف الأولى ، وقرأ ابن كثير ـ أيضا (٩) ـ في رواية هارون عنه ، وهي قراءة كثير من المكيين : «جدر» بفتحة وسكون.
فقيل : هي لغة في الجدار.
وقال ابن عطية (١٠) : معناه أصل بنيات كالسور ونحوه ، قال : ويحتمل أن يكون من
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٨ / ٢٤.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٥٢.
(٣) سقط من : أ.
(٤) ينظر : القرطبي ١٨ / ٢٤.
(٥) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٩٨.
(٦) ينظر : الحجة ٦ / ٢٨٣ ، وإعراب القراءات ٢ / ٣٥٧ ، وحجة القراءات ٧٠٥ ، والعنوان ١٨٨ ، وشرح الطيبة ٦ / ٤٩ ، وشرح شعلة ٦٠١ ، وإتحاف ٢ / ٥٣١.
(٧) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٩٨.
(٨) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٨٩ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٤٧ ، والدر المصون ٦ / ٢٩٨.
(٩) السابق.
(١٠) المحرر الوجيز ٥ / ٢٨٩.