الفترة يقال له : برصيصا ، قد تعبد في صومعته سبعين سنة لم يعص الله فيها طرفة عين حتى أعيا إبليس ، وذكر خبر برصيصا بتمامه (١).
قال ابن عباس رضي الله عنهما : فضرب الله ذلك مثلا للمنافقين مع اليهود ، وذلك أن الله ـ تعالى ـ أمر نبيه أن يجلي بني النضير من «المدينة» ، فدس إليهم المنافقون ألّا تخرجوا من دياركم ، فإن قاتلوكم قاتلنا معكم ، وإن أخرجوكم كنا معكم ، فحاربوا النبي صلىاللهعليهوسلم فخذلهم المنافقون وتبرءوا منهم كما تبرأ الشيطان من برصيصا العابد (٢).
وقيل (٣) : المعنى مثل المنافقين في غدرهم لبني النضير كمثل إبليس إذ قال لكفار قريش : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) [الأنفال : ٤٨] الآية.
وقال مجاهد : المراد بالإنسان ها هنا جميع الناس في غرور الشيطان إياهم (٤).
ومعنى (٥) قوله تعالى : (إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ).
أي : أغواه حتى قال : إنّي كافر ، وليس قول الشيطان : (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) حقيقة ، إنما هو على وجه التبرّؤ من الإنسان ، فهو تأكيد لقوله تعالى : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ).
وفتح الياء من «إني» نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وأسكن الباقون (٦).
قوله تعالى : (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩) لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٩٦) ، وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٢٨) ، عن ابن عباس.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٥٣ ، والقرطبي ١٨ / ٢٨.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٤٩) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٩٧) ، وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٥) القرطبي ١٨ / ٢٨ ، ٢٩.
(٦) ينظر : السبعة ٦٣٢ ، والحجة ٦ / ٢٨٤ ، والعنوان ١٨٨ ، وشرح الطيبة ٦ / ٤٩ ، وشرح شعلة ٦٠١ ، وإتحاف ٢ / ٥٣١.