ومعنى «الفائزون» المقربون المكرمون (١).
وقيل : الناجون من النار ، ونظير هذه الآية قوله : (لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) [المائدة : ١١٠] ، وقوله : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) [السجدة : ١٨] ، وقوله : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)](٢) [ص : ٢٨].
فصل
احتجّت المعتزلة بهذه الآية على أن صاحب الكبيرة لا يدخل الجنة بهذه الآية (٣) ، قالوا : لأن الآية دلت على أن أصحاب النار وأصحاب الجنة لا يستويان ، [فلو دخل صاحب الكبيرة الجنة لكان أصحاب الجنة وأصحاب النار يستويان](٤) ، وهو غير جائز وجوابه معلوم.
فصل في أن المسلم لا يقتل بالذمي
دلت هذه الآية على أن المسلم لا يقتل بالذمي كما هو مذكور في كتب الفقه (٥). قوله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ).
وهذا حثّ على تأمل مواعظ القرآن ، وبيّن أنه لا عذر في ترك التدبر ، فإنه لو خوطب بهذا القرآن الجبال مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه ، ورأيتها على صلابتها ورزانتها خاشعة متصدعة ، أي : متشققة من خشية الله.
والخاشع : الذّليل. والمتصدّع : المتشقق.
وقيل : «خاشعا» لله بما كلفه من طاعته ، «متصدعا» من خشية الله أن يعصيه فيعاقبه.
وقيل : هو على وجه المثل للكفار (٦).
قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ).
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٨ / ٣٠.
(٢) سقط من : أ.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٥٤.
(٤) سقط من : أ.
(٥) لا يجوز قتل مسلم بكافر وهو مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي والثوري وابن شبرمة والشافعي ومالك وأحمد وأبي ثور. واحتج هؤلاء بما أخرجه البخاري في كتاب الديات ، باب : العاقلة ١٢ / ٢٥٦ (٦٩٣) ، عن أبي جحيفة أنه قال : سألت عليا هل عندكم شيء ليس في القرآن؟ فقال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن إلا فهما يعطى رجل في كتابه وما في الصحيفة.
قلت : وما في الصحيفة؟ قال : العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر. عمدة القارىء ١٩ / ٣٤٩ ، فتح الباري ١٢ / ٢٧٢ ، روضة الطالبين ٩ / ١٥٠.
(٦) ينظر : القرطبي ١٨ / ٣٠.