هجوعا قليلا ، أو زمنا قليلا ، ف (قَلِيلاً) ، نعت لمصدر أو ظرف (١).
الخامس : أنها بمعنى الذي ، وعائدها محذوف تقديره : كانوا قليلا من الليل الوقت الذي يهجعونه (٢). وهذا فيه تكلّف.
فصل
قال ابن الخطيب : (قَلِيلاً) منصوب على الظرف تقديره يهجعون قليلا يقال : قام بعض الليل ، فنصب «بعض» على الظرف ، وخبر كان هو قوله : (يَهْجَعُونَ) و (ما) زائدة هذا هو المشهور (٣) ، وفيه وجه آخر : وهو أن يقال : كانوا قليلا معناه كانوا من الناس قليلا ، فيكون (قَلِيلاً) خبر كان. و (ما يَهْجَعُونَ) معناه نفي النوم عنهم. وهذا منقول عن الضّحّاك ومقاتل (٤).
وأنكر الزمخشري (٥) كون (ما) نافية ، وقال : لا يجوز أن تكون نافية ؛ لأن ما بعدها لا يعمل فيها قبلها لا تقول : زيدا ما ضربت ويجوز أن يعمل ما بعد «لم» فيما قبلها ، تقول : زيدا لم أضرب (٦) وذلك أن الفعل المتعدي إنما يعمل في النفي حملا له على الإثبات لأنك إذا قلت : ضرب زيد عمرا ثبت تعلق فعله بعمرو. فإذا قلت : ما ضربه لم يوجد منه فعل حتى يتعلق به ويتعدى إليه ، لكن النفي محمول على الإثبات ، فإذا ثبت هذا فالنفي بالنسبة إلى الإثبات كاسم الفاعل بالنسبة إلى الفعل فإنه يعمل عمل الفعل لكن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل فلا تقول : زيدا (٧) ضارب عمرا أمس ، وتقول : زيد ضارب عمرا غدا واليوم والآن ؛ لأن الماضي لم يبق موجودا ولا متوقّع الوجود ، فلا يتعلق بالمفعول حقيقة ، لكن الفعل لقوته يعمل واسم الفاعل لضعفه لم يعمل.
إذا عرف هذا فقوله : ما ضربت للنفي في الماضي ، فاجتمع فيه النفي والمضيّ فضعف. وأما : لم أضرب فإن (٨) كان يقلب المستقبل فوجد فيه ما وجد في قول القائل : زيد ضارب عمرا غدا فأعمل (٩).
__________________
(١) ذكره أبو حيان في البحر ٨ / ١٣٥.
(٢) في تفسير أبي حيان السابق : «كانوا قليلا من الليل من الوقت الذي يهجعون فيه» ولا اختلاف جوهريّا بين ما قاله المؤلّف وما قاله أبو حيان. وانظر : البحر ٨ / ١٣٦.
(٣) الرازي ٢٨ / ٢٠٢ و ٢٠٣.
(٤) السابق.
(٥) ذكر الزمخشري في الكشاف ٤ / ١٥ و ١٦ كل الأوجه السابقة في ما عدا زيادتها ، وله حجّته الآتية بعد.
(٦) بالمعنى من الكشاف ٤ / ١٦ ، وباللفظ من تفسير الإمام الرازي ٢٨ / ٢٠٣.
(٧) كذا في النسختين بنصب زيد والأصح : الرفع.
(٨) كذا في النسختين ، وفي الرازي ـ وهو الصحيح ـ وإن كان. بالواو.
(٩) وهذا شرح الإمام الرازي لكلام أستاذه الزمخشري.