قال ابن الخطيب : غير أن القائل بذلك القول يقول : قليلا ليس منصوبا بقوله : يهجعون ، وإنما ذلك خبر (كانوا (١) ؛ أي) كانوا قليلين (٢).
فصل
تقديم قليلا في الذكر ليس لمجرد السّجع حتى يقع يهجعون ويستغفرون في آخر الآيات ، بل لأن الهجوع راحة لهم والمقصود بيان اجتهادهم وتحملهم السهر لله تعالى ، فلا يناسبه تقديم (راحتهم) (٣) ، وقد يغفل السامع عما بعد الكلام فيعتقد كونهم محسنين بسبب هجوعهم ، فقدم قوله : (قَلِيلاً) ليسبق إلى الفهم أولا قلة الهجوع وقوله : (مِنَ اللَّيْلِ) إشارة إلى أنه الزمن الذي يهجع الناس فيه ولا يسهر في الطاعة إلا متعبد.
فإن قيل : الهجوع لا يكون إلا بالليل والنوم نهارا لا يقال له : هجوع!.
فالجواب : أن ذكر العام وإردافه بالتخصيص حسن ، تقول : رأيت حيوانا ناطقا فصيحا. وأما ذكر الخاص وإردافه بالعام فلا يحسن إلا في بعض المواضع ، فلا تقول : أيت ناطقا فصيحا حيوانا.
وإذا عرف هذا فقوله تعالى : كانوا قليلا من الليل ذكر أمرا هو كالعام يحتمل أن يكون بعده : كانوا من الليل يسبحون أو يستغفرون أو يسهرون ، أو غير ذلك ، فلما قال : يهجعون فكأنه خصّص ذلك بالأمر العام المحتمل له ولغيره فأزال الاحتمال (٤).
قوله : (وَبِالْأَسْحارِ) متعلق ب (يَسْتَغْفِرُونَ) ، والباء بمعنى «في». وقدم متعلق الخبر (٥) على المبتدأ (٦) لجواز تقديم العامل.
فصل
معنى قوله : (قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) أي يصلون أكثر الليل. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس : يعني كانوا قل ليلة تمر بهم إلا صلوا فيها شيئا إما من أولها وإما من أوسطها. وقال أنس بن مالك : كانوا يصلون العتمة. وقال مطرف بن عبد الله بن الشّخير : قلّ ليلة أتت عليهم يهجعونها كلها. وقال مجاهد : كانوا لا ينامون من الليل إلا أقله ، وربما نشطوا فمدّوا إلى السّحر ، ثم أخذوا بالأسحار في الاستغفار. وقال الكلبي
__________________
(١) ما بين القوسين زيادة من الرازي على النسختين وهي زيادة لازمة لا بدّ منها.
(٢) وانظر : الرازي ٢٨ / ٢٠٢.
(٣) ما بين القوسين سقط من ب وعبارة الرازي : فلو قال : كانوا يهجعون كان المذكور أولا راحتهم ثم بصفة بالقلة. وانظر : الرازي ٢٨ / ٢٠٣.
(٤) بالمعنى من تفسير الإمام الرازيّ المرجع السابق.
(٥) وهو بالأسحار.
(٦) وهو «هم».