ومجاهد ومقاتل : وبالأسحار يصلّون ؛ وذلك لأن صلاتهم بالأسحار لطلب المغفرة (١).
روى أبو هريرة أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : ينزل الله إلى السّماء كلّ ليلة حين يبقى ثلث اللّيل فيقول : أنا الملك أنا الملك ، من الّذي يدعوني فأستجيب له؟ من الّذي يسألني فاعطيه؟ من الّذي يستغفرني فأغفر له؟ (٢).
فصل
في قوله : (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) إشارة إلى أنهم كانوا يتهجدون ويجتهدون ثم يريدون أن يكون عملهم أكثر من ذلك وأخلص منه ، فهم يستغفرون من التقصير. وهذه سيرة الكريم يأتي بأبلغ وجوه الكرم ويستقلّه ويعتذر من التقصير واللئيم يأتي بالقليل ويستكثره ويمنّ به.
وفي الآية لطائف :
الأولى : أنه تعالى لما ذكر قلة هجوعهم ، والهجوع مقتضى الطبع قال : يستغفرون أي من ذلك القدر من النوم القليل.
الثانية : أنه تعالى مدحهم بقلة الهجوع ولم يمدحهم بكثرة السّهر فلم يقل : كانوا قليلا من الليل ما يسهرون مع أن السّهر هو الكلفة والاجتهاد لا الهجوع ، وهذا إشارة إلى أن نومهم عبادة حيث مدحهم الله بكونهم هاجعين قليلا ، وذلك الهجوع أورثهم الاشتغال بعبادة أخرى ، والاستغفار بالأسحار ، ومنعهم من الإعجاب بأنفسهم (٣).
فصل
الباء في قوله : (بِالْأَسْحارِ) استعملت للظرف هنا ، وهي ليست للظرف. قال بعض النحاة : إن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض يقال في ظرف الزمان : خرجت لعشر بقين ، وبالليل ، وفي شهر رمضان. فتستعمل اللام والباء ، وفي ، وكذلك في ظرف المكان تقول : قمت بمدينة كذا ، وفيها ، ورأيته ببلدة كذا ، وفيها. قال ابن الخطيب : والتحقيق فيه أن نقول : الحروف لها معان مختلفة كما أن الأسماء والأفعال كذلك غير أن الحروف مستقلة بإفادة المعنى والاسم والفعل مستقلّان ، لكن بين بعض الحروف وبعضها تنافر (و) (٤) تباعد كما في الأسماء والأفعال ، فإن البيت والسّكن متخالفان ومتقاربان (٥) ،
__________________
(١) وانظر : تفسير البغوي والخازن ٦ / ٢٤٢.
(٢) أخرجه البغوي عن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ، انظر : البغوي المرجع السابق.
(٣) قال بذلك كله الإمام الفخر الرازي في تفسيره ٢٨ / ٢٠٣.
(٤) الواو ساقطة من أالأصل. هذا وعبارة الرازي : تناف وتباعد.
(٥) كذا في أوب وفي الرازي وهو الأصح : متفاوتان.