فصل
وفائدة قوله : (هُمْ) ؛ قال الزمخشري : فائدتها انحصار المستغفرين أي هم الكاملون فيه لا غيرهم كقولك : زيد العالم ، لكماله في العلم كأنه تفرد به ، وأيضا : فلو عطف بدون هم لأوهم أنهم يستغفرون قليلا (١). والاستغفار إما طلب المغفرة ، كقولهم : ربّنا اغفر لنا ، وإما إتيانهم بعبارات يتقربون بها طلبا للمغفرة ، وإما أن يكون من باب قولهم : استحصد الزّرع أي ذلك أوان المغفرة.
قوله : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) لمّا تقدم التعظيم لأم الله ثنّى بالشفقة على خلق الله ، وأضاف الأموال إليهم ، لأنه مدح لهم ، وقال في موضع آخر (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) [الحديد : ٧] ؛ لأن ذلك تحريض وحث على النفقة وذلك يناسبه.
فإن قيل : كون الحق في المال لا يوجب مدحا ؛ لأن كون المسلم في ماله حقّ وهو الزكاة ليس صفة مدح ، لأن كل مسلم كذلك بل الكافر إذا قلنا : إنه مخاطب بفروع الإسلام في ماله حق معلوم ، غير أنه إذا أسلم سقط عنه ، وإن مات عوقب على تركه الأداء. وإن أدّى من غير إسلام لا يقع الموقع فكيف يفهم كونه مدحا؟
فالجواب : أنا نفسر السائل بمن يطلب جزءا من (٢) المال وهو الزكاة والمحروم من لا يطلب جزءا معيّنا وهو طالب صدقة التطوع كأنه قال : في ماله زكاة وصدقة.
أو يقال : بأن (فِي) للظرفية ، والمعنى أنّهم لا يجمعون المال ولا يجعلونه ظرفا للحقوق ، والمطلوب من الظرف والمظروف إنما هو المظروف وهذا مدح عظيم.
فإن قيل : لو قيل : مالهم للسائل كان أبلغ!
فالجواب : لا نسلم ، فإن صرف جميع المال حتى يبقى فقيرا محتاجا منهيّ عنه ، وكذلك الصلاة والصوم الاقتصاد فيهما أبلغ لقوله : ـ عليه الصلاة والسلام ـ : إنّ هذا الدّين متين ، فادخلوا (٣) فيه برفق ؛ فإنّ المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى (٤).
فصل
في السائل والمحروم وجوه :
أحدها : أن السائل هو الآدمي ، والمحروم كل ذي روح غيره من الحيوانات
__________________
(١) بالمعنى من الكشاف وباللفظ من الرازي ٢٨ / ٢٠٥ فقد قال في الكشاف ٤ / ١٦ : «فيه أنهم هم المستغفرون الأحقاء بالاستغفار دون المصرّين فكأنهم المختصون به لاستدامتهم له وإطنابهم فيه».
(٢) كذلك في الأصل وفي ب : عن تطلب وفي الرازي : بمن يطلب شرعا.
(٣) عبارة الرازي : فأوغل فيه.
(٤) بالمعنى من تفسير الإمام ٢٨ / ٢٠٦ و ٢٠٥.