وأما الفرق بين النصب والرفع ، فإن حملنا السلام على التّحية ، فإنه مبتدأ مع أنه نكرة تنبيها على أصله ، لأنه النصب ، لأن المعنى أسلّم سلاما و «عليكم» لبيان المسلّم عليه ، لا حظّ له في الإعراب (١).
وأصل الكلام أسلم سلاما ، فالنصب أصل ، فقدم على الرفع الذي هو فرع ، وأيضا فرد (إبراهيم) (٢) أبلع لأنه أتى بالجملة الاسمية الدالة على الثبات بخلاف الفعلية ، فإنها تدل على التّجدّد والحدوث ، ولهذا يستقيم قولنا : الله موجود الآن ، ولا يستقيم قولنا : الله وجد الآن.
وأما إن قلنا : معناه حسنا ، أو ذا سلامة ، فمعناه قلتم حسنا وأنتم منكرون فالتبس الأمر عليّ (٣).
وأما إن قلنا معناه المتاركة فمعناه سلّمتم عليّ ، وأنا أمري متاركة لأني لا أعلم حالكم ، ومنه : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) وقال تعالى : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) [الزخرف : ٨٩] لأن سلامتهم عن الجاهلين لا يمنع التعرض لهم ، بخلاف النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فمعناه سلم أمري متاركة إلى أن يأتي أمر الله (٤). وتقدم تحرير نظير هذه الآية في سورة هود (٥).
وتقدم أيضا خلاف القراء في سلام (٦) بالنسبة إلى فتح سينه وكسرها ، وإلى سكون لامه وفتحها.
وقرئا مرفوعين (٧). وقرىء سلاما قالوا سلما بكسر سين الثاني ونصبه (٨) ، ولا
__________________
(١) في الرازي : في المعنى غير ذلك البيان.
(٢) سقط من ب.
(٣) وهذه التفصيلات كلها نقلها المؤلف بالمعنى عن الرازي ٢٨ / ٢١٢.
(٤) بالمعنى من الرازي السابق ، فقد قال : وأما النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لو سلم عليهم لصار ذلك سببا لحرمة التعرض إليهم فقال : قل سلام أي أمري معكم متاركة تركناه إلى أن يأتي أمر الله بأمر. وانظر : الرازي ٢٨ / ٢١٣ و ٢١٢.
(٥) اللباب الأسبق.
(٦) قراءة ابن وثاب والنّخعيّ وابن جبير وطلحة قال : سلم بكسر السّين وإسكان اللام ، والمعنى نحن سلم ، أو أنتم سلم وتلك قراءة كوفية وهي من الأربع عشرة فوق المتواترة وانظر الإتحاف ٣٩٩ وقد نسبت لحمزة والكسائي في الإتحاف.
(٧) لم أعرف من قرأ هكذا وانظر : البحر ٨ / ١٣٩ والكشاف ٤ / ١٧ ، وهي شاذة وحينئذ يكون الرفع على ما مرّ من رفع «سلام» والثانية فمن الإمكان أن تكون ابتداء والخبر محذوف أي سلام عليك أو خبرا لابتداء محذوف معناه قالوا أمرنا سلام.
(٨) البحر والكشاف السابقين. ولم يحدّدا من قرأ بها.