إذ ليس فيها ذكر يعود على صاحب الحال (١) ، وإن كانت حالا من مفعول «أخذناه» فالواو ليست واجبة ؛ إذ في الجملة ذكر يعود عليه. وقد يقال : إنّ الضمير في «نبذناهم» يعود على (فِرْعَوْنَ) وعلى (جُنُودَهُ) فصار في الحال ذكر يعود على بعض (٢) ما شمله الضمير الأول. وفيه نظر ، إذ يصير نظير قولك : جاء السّلطان وجنوده فأكرمتهم راكبا فرسه ، فتجعل (مُتَراكِباً) حالا من بعض ما اشتمل عليه ضمير «أكرمتهم» (٣).
فصل
ومعنى (مُلِيمٌ) أي أتى بما يلام عليه (٤) من دعوى الربوبيّة وتكذيب الرسول.
قوله تعالى : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ)(٤٢)
قوله تعالى : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا) الكلام عليه قد تقدم على نظيره (٥).
واعلم أن المراد بهذه الحكايات تسلية قلب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وتذكيره بحال الأنبياء.
فإن قيل : لم لم يذكر في «عاد» و «ثمود» أنبياءهم كما ذكر إبراهيم وموسى ولوطا ـ عليهم الصّلاة والسلام ـ؟!.
فالجواب : أنه ذكر ست حكايات ، حكاية إبراهيم وبشارته وحكاية قوم لوط ونجاة من كان فيها من المؤمنين وحكاية موسى ، ففي هذه الحكايات الثلاث ذكر الرسل والمؤمنين لأن الناجين منهم كانوا كثيرين ، فأما في حق إبراهيم وموسى فظاهر وأما في حق لوط فلأن الناجين وإن كانوا أهل بيت واحد لكن المهلكين أيضا كانوا أهل بقعة واحدة. وأما عاد وثمود وقوم نوح فكان عدد المهلكين بالنسبة إلى الناجين أضعاف المهلكين من قوم لوط عليه الصّلاة والسّلام ؛ فذكر الحكايات الثلاث الأول للتسلية بإهلاك العدو والكل مذكور للتسلية بدليل قوله تعالى في آخر هذه الآيات : (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [الذاريات : ٥٢] إلى أن قال : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) [الذاريات : ٥٤] وقال في سورة هود بعد الحكايات : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ) [هود : ١٠٠] إلى أن قال : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود : ١٠٢].
__________________
(١) وهو «هم» من نبذناهم.
(٢) ففرعون مشتمل في فنبذناهم الجمع.
(٣) ولا مانع من إجازة مثل هذا الأسلوب وإن كان نادرا.
(٤) وهذا معناه اللغوي كما قال الزجاج والفراء في معانيهما. الأول في ٥ / ٥٦ والثاني في ٣ / ٨٧.
(٥) في آية : «وَفِي مُوسى» ويقصد الكلام من ناحية اللفظ والإعراب.