(إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ). قال بعض (١) المفسرين : المراد منه هو ما أمهلهم الله بعد عقرهم الناقة وهو ثلاثة أيام (كما) في قوله تعالى : (فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) [هود: ٦٥] وكان في تلك الأيام تغيير ألوانهم فتصفرّ وتحمرّ وتسودّ. قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف ؛ لأن قوله تعالى : (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) بحرف الفاء دليل على أن العتوّ كان بعد قوله : (تَمَتَّعُوا) ، فإذن الظاهر أن المراد هو ما قدر الله للناس من الآجال فما من أحد إلا وهو ممهل مدّة الأجل (٢).
قوله : (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) «عتا» يتعدى تارة «بعلى» ، كقوله تعالى : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) [مريم : ٦٩] ، وههنا استعمل بعن ؛ لأن فيه معنى الاستكبار كقوله: (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) [الأنبياء : ١٩] وحيث استعمل بعلى ، فهو كقولك : فلان يتكبّر علينا (٣).
قوله : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) وهذه قراءة العامة. وقرأ الكسائي الصّعقة (٤). والحسن الصّاقعة (٥). وتقدم ذكره في البقرة (٦). وقوله : (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) جملة حالية من المفعول. و «ينظرون» قيل : من النّظر. وقيل : من الانتظار أي ينتظرون ما وعدوه من العذاب.
قوله (تعالى) (٧) : (فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) أي فما قاموا بعد نزول العذاب ولا قدروا على دفعه.
قال قتادة : لم ينهضوا من تلك الصرعة.
وقوله : (مِنْ قِيامٍ) بدل قوله : من هرب ؛ لأن العاجز عن القيام أحرى أن يعجز عن الهرب. ويحتمل أن يكون المراد منه من القيام بالأمر أي ما استطاعوا من قيام به. (وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) أي منتقمين منا. قال قتادة : كان عندهم قوة من الله (٨).
__________________
(١) ذكر تلك الرازي ولم يحدد من قال بذلك ورجعت إلى البغوي والقرطبي والزمخشري والفراء وأبي حيان فوجدتهم قالوا مثل ما قال المؤلف أعلى وانظر : البغوي ٦ / ٢٤٦ والقرطبي ١٧ / ٥١ والكشاف ٤ / ١٩ والفراء ٣ / ٨٨ والبحر ٨ / ١٤١.
(٢) تفسيره ٢٨ / ٢٢٣ و ٢٢٤.
(٣) المرجع السابق.
(٤) شاذة وهي اسم مرة على فعلة. انظر : الجامع للقرطبي ١٧ / ٥١ والبحر المحيط ٨ / ١٤١ وهي نفس قراءة عمر بن الخطاب وابن محيصن وحميد ومجاهد.
(٥) كذا في البحر لأبي حيان السابق وفي ابن خالويه ١٤٥ الصواقع جمعا.
(٦) من الآية ١٩ من سورة «البقرة» :«يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ» والآية ٥٥ منها أيضا :«فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ». وفيها لغتان في الصاعقة التي تنزل وتحرق. وقيل : الصاعقة هي التي تنزل من السماء وتحرق والصعقة بغير ألف الزجرة. وقد روي : الصعقة بغير ألف عن عمر وعثمان. والصاقعة كالصاعقة.
(٧) زيادة من أ.
(٨) وانظر : البغوي ٦ / ٢٤٦ والقرطبي ١٧ / ٥٢.