شعر شاعر. وأما من جعل (مُخْلِصاً) حالا من العابد ، و (لَهُ الدِّينَ) مبتدأ وخبرا ، فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك : لله الدين (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) أى : هو الذي وجب اختصاصه بأن يخلص له الطاعة من كل شائبة كدر ، لاطلاعه على الغيوب والأسرار ، ولأنه الحقيق بذلك ، لخلوص نعمته عن استجرار المنفعة بها. وعن قتادة : الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله. وعن الحسن : الإسلام (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) يحتمل المتخذين وهم الكفرة ، والمتخذين وهم الملائكة وعيسى واللات والعزى : عن ابن عباس رضى الله عنهما ، فالضمير في (اتَّخَذُوا) على الأوّل راجع إلى الذين ، وعلى الثاني إلى المشركين ، ولم يجر ذكرهم لكونه مفهوما ، والراجع إلى الذين محذوف والمعنى : والذين اتخذهم المشركون أولياء ، (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) في موضع الرفع على الابتداء. فإن قلت : فالخبر ما هو؟ قلت : هو على الأوّل إما (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) أو ما أضمر من القول قبل قوله (ما نَعْبُدُهُمْ). وعلى الثاني : أن الله يحكم بينهم. فإن قلت : فإذا كان (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) الخبر ، فما موضع القول المضمر؟ قلت : يجوز أن يكون في موضع الحال ، أى : قائلين ذلك. ويجوز أن يكون بدلا من الصلة فلا يكون له محل ، كما أنّ المبدل منه كذلك. وقرأ ابن مسعود بإظهار القول قالوا (ما نَعْبُدُهُمْ) وفي قراءة أبىّ : ما نعبدكم إلا لتقربونا على الخطاب ، حكاية لما خاطبوا به آلهتهم. وقرئ : نعبدهم ، بضم النون اتباعا للعين كما تتبعها الهمزة في الأمر ، والتنوين في (عَذابٍ ارْكُضْ) والضمير في (بَيْنَهُمْ) لهم ولأوليائهم. والمعنى : أن الله يحكم بينهم بأنه يدخل الملائكة وعيسى الجنة ، ويدخلهم النار مع الحجارة التي نحتوها وعبدوها من دون الله يعذبهم بها حيث يجعلهم وإياها حصب جهنم ، واختلافهم : أن الذين يعبدون موحدون وهم مشركون ، وأولئك يعادونهم ويلعنونهم ، وهم يرجون شفاعتهم وتقريبهم إلى الله زلفى. وقيل : كان المسلمون إذا قالوا لهم : من خلق السماوات والأرض ، أقروا وقالوا : الله ، فإذا قالوا لهم : فما لكم تعبدون الأصنام؟ قالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، فالضمير في (بَيْنَهُمْ) عائد إليهم وإلى المسلمين. والمعنى : أن الله يحكم يوم القيامة بين المتنازعين من الفريقين. والمراد بمنع الهداية : منع اللطف تسجيلا عليهم بأن لا لطف لهم ، وأنهم في علم الله من الهالكين (١). وقرئ : كذاب وكذوب. وكذبهم : قولهم في بعض من اتخذوا من دون الله أولياء : بنات الله ، ولذلك عقبه محتجا عليهم بقوله (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا
__________________
(١) قال محمود : «المراد بمنع الهدآية منع اللطف تسجيلا عليهم بأن لا يلطف بهم ، وأنه في علمه من الهالكين» قال أحمد : مذهب أهل السنة حمل هذه الآية وأمثالها على الظاهر ، فان معتقدهم أن معنى هداية الله تعالى للمؤمن خلق الهدى فيه ، ومعنى إضلاله للكافر إزاحته عن الهدى وخلق الكفر له ، ومع ذلك فيجوز عند أهل السنة أن يخلق الله تعالى للكافر لطفا يؤمن عنده طائعا ، خلافا للقدرية ، وغرضنا التنبيه على مذهب أهل الحق لا غيره.