قائما (ساجِداً) حال. وقرئ : ساجد وقائم ، على أنه خبر بعد خبر ، والواو للجمع بين الصفتين. وقرئ : ويحذر عذاب الآخرة. وأراد بالذين يعلمون : العاملين من علماء الديانة ، كأنه جعل من لا يعمل غير عالم. وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ، ثم لا يقتنون ويفتنون ، ثم يفتنون بالدنيا ، فهم عند الله جهلة ، حيث جعل القانتين هم العلماء ، ويجوز أن يرد على سبيل التشبيه ، أى : كما لا يستوي العالمون والجاهلون ، كذلك لا يستوي القانتون والعاصون. وقيل نزلت في عمار بن ياسر رضى الله عنه وأبى حذيفة بن المغيرة المخزومي. وعن الحسن أنه سئل عن رجل يتمادى في المعاصي ويرجو (١) ، فقال : هذا تمنّ ، وإنما الرجاء قوله : وتلا هذه الاية. وقرى : إنما يذكر ، بالإدغام.
(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(١٠)
(فِي هذِهِ الدُّنْيا) متعلق بأحسنوا لا بحسنة ، معناه : الذين أحسنوا في هذه الدنيا فلهم حسنة في الآخرة. وهي دخول الجنة ، أى : حسنة غير مكتنهة بالوصف. وقد علقه السدى بحسنة ، ففسر الحسنة بالصحة والعافية. فإن قلت : إذا علق الظرف بأحسنوا فإعرابه ظاهر ، فما معنى تعليقه بحسنة؟ ولا يصح أن يقع صفة لها لتقدمه. قلت : هو صفة لها إذا تأخر ، فإذا تقدم كان بيانا لمكانها فلم يخل التقدم بالتعلق ، وإن لم يكن التعلق وصفا ومعنى (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) أن لا عذر للمفرطين في الإحسان البتة ، حتى إن اعتلوا بأوطانهم وبلادهم ، وأنهم لا يتمكنون فيها من التوفر على الإحسان ، وصرف الهمم إليه قيل لهم : فإن أرض الله واسعة وبلاده كثيرة ، فلا تجتمعوا مع العجز ، وتحوّلوا إلى بلاد أخر ، واقتدوا بالأنبياء والصالحين في مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا إحسانا إلى إحسانهم وطاعة إلى طاعتهم. وقيل : هو الذين كانوا في بلد المشركين فأمروا بالمهاجرة عنه ، كقوله تعالى (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) وقيل : هي أرض الجنة. و (الصَّابِرُونَ) الذين صبروا على مفارقة
__________________
(١) قال محمود : «سئل الحسن عمن يتمادى على المعاصي ويرجو ... الخ» قال أحمد : كلام الحسن رضى الله عنه صحيح غير منزل على كلام الزمخشري بقرينة حاله ، فان الحسن أراد أن المتمادى على المعصية مصرا عليها غير تائب إذا غلب رجاؤه خوفه كان متمنيا ، لأن اللائق بهذا أن يغلب خوفه رجاؤه ، ولم يرد الحسن إقناط هذا من رحمة الله تعالى وحاشاه ، وأما قرينة حال الزمخشري فإنها تم على ما أضمره من إيراد هذه المقالة ، فان معتقده أن مثل هذا العاصي وإن كان موحدا يجب خلوده في نار جهنم ، ولا معنى لرجائه ، ولتنميته صحة هذا المعتقد أورد مقالة الحسن كالتزام إلى تتميم هذه النزعة ، وعما قليل يقرع سمعه ما في أنباء هذه السورة.