ولك أن تجعل اللام مزيدة مثلها في أردت لأن أفعل ، ولا تزاد إلا مع أن خاصة دون الاسم الصريح ، كأنها زيدت عوضا من ترك الأصل إلى ما يقوم مقامه ، كما عوّض السين في اسطاع عوضا من ترك الأصل الذي هو أطوع ، والدليل على هذا الوجه مجيئه بغير لام في قوله (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) و (أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، و (أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) وفي معناه أوجه : أن أكون أوّل من أسلم في زماني ومن قومي ، لأنه أول من خالف دين آبائه وخلع الأصنام وحطمها. وأن أكون أوّل الذين دعوتهم إلى الإسلام إسلاما. وأن أكون أول من دعا نفسه إلى ما دعا إليه غيره ، لأكون مقتدى بى في قولي وفعلى جميعا ، ولا تكون صفتي صفة الملوك الذين يأمرون بما لا يفعلون ، وأن أفعل ما أستحق به الأوّلية من أعمال السابقين دلالة على السبب بالمسبب يعنى : أن الله أمرنى أن أخلص له الدين من الشرك والرياء وكلّ شوب ، بدليل العقل والوحى. فإن عصيت ربى بمخالفة الدليلين ، استوجبت عذابه فلا أعصيه ولا أتابع أمركم ، وذلك حين دعوه إلى دين آبائه. فإن قلت : ما معنى التكرير في قوله (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) وقوله (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) قلت : ليس بتكرير ، لأنّ الأوّل إخبار بأنه مأمور من جهة الله بإحداث العبادة والإخلاص. والثاني : إخبار بأنه يختص الله وحده دون غيره بعبادته مخلصا له دينه ، ولدلالته على ذلك قدّم المعبود على فعل العبادة وأخره في الأوّل فالكلام أوّلا واقع في الفعل نفسه وإيجاده ، وثانيا فيمن يفعل الفعل لأجله ، ولذلك رتب عليه قوله (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) والمراد بهذا الأمر الوارد على وجه التخيير : المبالغة في الخذلان والتخلية ، على ما حققت فيه القول مرتين. قل إنّ الكاملين في الخسران الجامعين لوجوهه وأسبابه : هم (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) لوقوعها في هلكة لا هلكة بعدها (وَ) خسروا (أَهْلِيهِمْ) لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم ، وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده إليهم. وقيل : وخسروهم (١) لأنهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الذين لهم أهل في الجنة ، يعنى : وخسروا أهليهم الذين كانوا يكونون لهم لو آمنوا ، ولقد وصف خسرانهم بغاية الفظاعة في قوله (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) حيث استأنف الجملة وصدرها بحرف التنبيه ، ووسط الفصل بين المبتدأ والخبر ، وعرف الخسران ونعته بالمبين.
(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ)(١٦)
__________________
(١) قوله «وخسروهم» لعله «خسروهم» بدون واو. (ع)