من تأثير قدرته محال ، كما يقول الجبار لمن تحت يده : لتفعلن هذا شئت أو أبيت ، ولتفعلنه طوعا أو كرها. وانتصابهما على الحال ، بمعنى : طائعتين أو مكرهتين. فإن قلت : هلا قيل : طائعتين على اللفظ؟ أو طائعات على المعنى؟ لأنها سماوات وأرضون. قلت : لما جعلن مخاطبات ومجيبات ، ووصفن بالطوع والكره قيل : طائعين ، في موضع : طائعات ، نحو قوله (السَّاجِدِينَ) (١). (فَقَضاهُنَ) يجوز أن يرجع الضمير فيه إلى السماء على المعنى كما قال (طائِعِينَ) ونحوه (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) ويجوز أن يكون ضميرا مبهما مفسرا بسبع سماوات ، والفرق بين النصبين أن أحدهما على الحال ، والثاني على التمييز ، قيل خلق الله السماوات وما فيها في يومين : في يوم الخميس والجمعة ، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة ، فخلق فيها آدم وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة. وفي هذا دليل على ما ذكرت ، من أنه لو قيل : في يومين في موضع أربعة أيام سواء ، لم يعلم أنهما يومان كاملان أو ناقصان (٢). فإن قلت : فلو قيل : خلق الأرض في يومين كاملين وقدر فيها أقواتها
__________________
(١) قال محمود : فان قلت لم ذكر الأرض مع السماء وانتظمها في الأمر بالإتيان معها والأرض مخلوقة قبل السماء بيومين؟ وأجاب بأنه قد خلق جرم الأرض أو لا غير مدحوة ، ثم دحاها بعد خلق السماء كما قال (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) فالمعنى : ائتيا على ما ينبغي من الشكل : ائتي يا أرض مدحوة وفرارا ومهادا ، واثنى يا سماء سقفا مقبية. ثم قال : فان قلت ما معنى طوعا أو كرها ، وأجاب بأنه تمثيل للزوم تأثير القدرة فيهما ، كما يقول الجبار لمن تحت يده : افعل هذا شئت أو أبيت. ثم قال : فان قلت : هلا قيل طائعتين ، على اللفظ. وطائعات ، على المعنى ، لأنها سماوات وأرضون. وأجاب بأنه لما جعلن مخاطبات ومجيبات وموصوفات بالطوع والكره. قيل : طائعين في موضع طائعات ، نحو قوله ساجدين» قال أحمد : لم يحقق الجواب عن السؤال الآخر ، وذلك أن في ضمن الآية سؤالين : أحدهما لم ذكرها وهي مؤنثة ، وهذا هو السؤال الذي أورده. الثاني أنى بها على جمع العقلاء وهي لا تعقل ، وهذا لم يذكره ، فالجواب الذي ذكره مختص بالسؤال الذي لم يذكره ، ولهذا نظره بقوله (السَّاجِدِينَ) فان تلك الآية ليس فيها سوى السؤال عن كونها جمعت جمع العقلاء ، فأما السؤال الآخر فلا ، لأن الكلام راجع إلى الكواكب وهي مذكرة ، والشمس وإن كانت مؤنثة إلا أنه غلب في الكلام المذكر على المؤنث على المنهاج المعروف ، فأما هذه الآية فتزيد على تلك بهذا السؤال الآخر : وهو أن جميع ما تقدم ذكره من السماوات والأرض مؤنثة ، فيقال أولا : لم ذكرها ، وثانيا : لم أتى جمعها المذكر على جمع نعت جمع العقلاء ، ليتحقق نسبة السؤال والجواب ، والطوع اللاتي تختص بالعقلاء لا بها ، ولم يوجد في جمع المؤنث عدول إلى جمع المذكر لوجود الصيغة المرشدة إلى العقل فيه ، فتمت الفائدة بذلك على تأويل السماوات والأرض بالأفلاك مثلا وما في معناه من المذكر ، ثم يغلب المذكر على المؤنث ولا يعدم مثل هذا التأويل في الأرضين أيضا.
(٢) قال محمود : «قيل : إن الله تعالى خلق السماوات وما فيها في يوم الخميس ويوم الجمعة ، وفرغ آخر ساعة من يوم الجمعة ، وخلق آدم في تتمة اليوم ، وفيه تقوم القيامة ثم استدل بذلك على ما ذكره من أنه لو قال : في يومين ، في موضع أربعة أيام سواء ، لم يعلم أنهما يومان كاملان أو ناقصان» قال أحمد : كأنه يستدل بإهمال اليومين عن التأكيد ، حيث لم يكن خلق السماوات بما فيها في جملة اليومين ، على أنه إنما فذلك أيام خلق الأرض بما فيها : لأنه لو فصلها لم يكن فيها دليل على استيعاب الخلق لكل يومين منها ، بل كان يجوز أن يكون الخلق في أحد اليومين وبعض الآخر ، كما كان في هذه الآية على النقل الذي ذكر ، وهذا لا يتم له منه غرض ، فان للقائل أن يقول : إنما كان خلق السماوات بما فيها في يومين كاملين ، لأن آدم لم يكن في السماوات حينئذ ويخلقه كمل اليومان على مقتضى ما نقله ، فتأمله.