ألا ترى إلى البون بين قوليك : هو شاعر ، وله شعر شاعر.
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ)(١٨)
وقرئ : ثمود ، بالرفع والنصب منونا وغير منون ، والرفع أفصح لوقوعه بعد حرف الابتداء. وقرئ بضم الثاء (فَهَدَيْناهُمْ) فدللناهم على طريقى الضلالة والرشد ، كقوله تعالى (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ). (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) فاختاروا الدخول في الضلالة على الدخول في الرشد. فإن قلت : أليس معنى هديته : حصلت فيه الهدى ، والدليل عليه قولك : هديته فاهتدى ، بمعنى : تحصيل البغية وحصولها ، كما تقول : ردعته فارتدع ، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجرّدة؟ قلت : للدلالة على أنه مكنهم وأزاح عللهم ولم يبق له عذرا ولا علة ، فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها (صاعِقَةُ الْعَذابِ) داهية العذاب وقارعة العذاب. و (الْهُونِ) الهوان ، وصف به العذاب مبالغة. أو أبدله منه ، ولو لم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة (١) بشهادة نبيها صلى الله عليه وسلم ـ وكفى به شاهدا ـ إلا هذه الآية ، لكفى بها حجة(٢).
__________________
(١) قوله «حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة» يريد أهل السنة ، سماهم المعتزلة بذلك لقولهم : جميع الحوادث ـ خيرا كانت أو شرا من أفعال العباد الاختيارية أو غيرها ـ فهي بقضاء الله تعالى وقدره ، خلافا للمعتزلة : حيث ذهبوا إلى أن جميع الأفعال الاختيارية ليست بقضائه تعالى وقدره ، ولا تأثير له فيها أصلا. وهذا أحق بالتنقيص الذي يفيده الحديث. وفسروا الإضلال والهدى في قوله تعالى (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بخلق الضلال وخلق الاهتداء ، خلافا للمعتزلة : حيث فسروا الإضلال بالخذلان وترك العبد وشأنه ، والهدى بالبيان ونقل النسفي عن أبى منصور الماتريدى : أن الهدى المضاف للخالق يكون تارة بمعنى البيان كما في هذه الآية وتارة بمعنى خلق الاهتداء كما في قوله تعالى (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) والمضاف للمخلوق بمعنى البيان فقط ، ويحتمل أن يكون هدى ثمود بمعنى خلق الاهتداء فيهم. وأنهم آمنوا قبل عقر الناقة ، ثم كفروا وعقروها اه (ع) (٢) قال محمود : «فدللناهم على طريقى الضلالة والرشد ، ثم قال : فان قلت أليس معنى هديته حصلت له الهدى والدليل عليه قولك : هديته فاهتدى ، فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجردة؟ وأجاب بأنه مكنهم وأزاح عللهم ، ولم يبق لهم عذرا ولا علة ، فكأنه حصل البغية فيهم بحصول موجبها ، ثم قال : ولو لم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة بشهادة نبينا عليه الصلاة والسلام ـ وكفى به شهيدا ـ إلا هذه الآية ، لكفى بها حجة» قال أحمد : قد أنطقه الله الذي أنطق كل شيء ، فان القدرية مجوس هذه الأمة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد شهد صحبه الأكرمون أن الطائفة الذين قفا الزمخشري أثرهم القدرية المتمجسة ، الذين أديانهم بأدناس الفساد متنجسة فهم أول منخرط في هذا السلك ، ومنهبط في مهواة هذا الهلك ، ولترجع إلى أصل الكلام فنقول : الهدى من الله تعالى عند أهل السنة حقيقة : هو خلق الهدى في قلوب المؤمنين ، والإضلال : خلق الضلال في قلوب الكافرين ، ثم ورد الهدى على غير ذلك من الوجوه مجازا واتساعا ، نحو هذه الآية ، فان المراد فيها بالهدى الدلالة على طريقه كما ـ