أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) ما تقدّم من أعمالهم وما هم عازمون عليها. أو بين أيديهم من أمر الدنيا واتباع الشهوات ، وما خلفهم : من أمر العاقبة ، وأن لا بعث ولا حساب (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) يعنى كلمة العذاب (فِي أُمَمٍ) في جملة أمم. ومثل في هذه ما في قوله :
إن تك عن أحسن الصّنيعة مأ |
|
فوكا ففي آخرين قد أفكوا (١) |
يريد : فأنت في جملة آخرين ، وأنت في عداد آخرين لست في ذلك بأوحد. فإن قلت : (فِي أُمَمٍ) ما محله؟ قلت : محله النصب على الحال من الضمير في عليهم القول كائنين في جملة أمم (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) تعليل لاستحقاقهم العذاب. والضمير لهم وللأمم.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ)(٢٨)
قرئ : والغوا فيه ، بفتح الغين وضمها. يقال : لغى يلغى ، ولغا يلغو. واللغو : الساقط من الكلام الذي لا طائل تحته. قال : من اللغا ورفث التكلم. والمعنى : لا تسمعوا له إذا قرئ ، وتشاغلوا عند قراءته برفع الأصوات بالخرافات والهذيان والزمل (٢) وما أشبه ذلك ، حتى تخلطوا على القارئ وتشوّشوا عليه وتغلبوه على قراءته. كانت قريش يوصى بذلك بعضهم
__________________
ـ معناه أنه خذلهم ومنعهم التوفيق لتصميمهم على الكفر ، فلم يبق لهم قرناء سوى الشياطين. والدليل عليه قوله تعالى (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ ...) الآية قال أحمد : جواب هذا السؤال على مذهب أهل السنة : أن الأمر على ظاهره ، فان قاعدة عقيدتهم أن الله تعالى قد ينهى عما يريد وقوعه ، ويأمر بما لا يريد حصوله ، وبذلك نطقت هذه الآية وأخواتها ، وإنما تأولها الزمخشري ليتبعها هواه الفاسد في اعتقاده أن الله تعالى لا ينهى عما يريد ، وإن وقع النهى عنه فعلى خلاف الارادة ـ تعالى الله عن ذلك وبه نستعيذ من جعل القرآن تبعا للهوى ، وحينئذ فنقول : لو لم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة بشهادة نبيها عليه الصلاة والسلام سوى هذه الآية ، لكفى بها ، فهذا موضع هذه المقالة التي أنطقه الله بها الذي أنطق كل شيء في الآية التي قبل هذه.
(١) لعروة بن أذينة ، يقول : إن تك مأقوكا ـ أى : مصروفا ومنقلبا عن أحسن العطاء ـ فلا عجب ، فأنت في جملة ناس آخرين قد أفكوا وصرفوا عن الإحسان. ومنه : المؤتفكات ، وهي المدن المنقلبة على قوم لوط وتقول العرب : إذا كثرت المؤتفكات زكت الأرض ، يعنون : الرياح المختلفة المهاب.
(٢) قوله «والزمل» الذي في الصحاح «الأزمل» الصوت : والأزمولة ـ بالضم ـ : المصوت من الوعول وغيرها. (ع)