بعضا (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) يجوز أن يريد بالذين كفروا : هؤلاء اللاغين والآمرين لهم باللغو خاصة ، وأن يذكر الذين كفروا عامة لينطووا تحت ذكرهم. قد ذكرنا إضافة أسوأ بما أغنى عن إعادته. وعن ابن عباس (عَذاباً شَدِيداً) يوم بدر. و (أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) في الآخرة (ذلِكَ) إشارة إلى الأسوإ ، ويجب أن يكون التقدير : أسوأ جزاء الذين كانوا يعملون ، حتى تستقيم هذه الإشارة. و (النَّارُ) عطف بيان للجزاء. أو خبر مبتدإ محذوف. فإن قلت : ما معنى قوله تعالى (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ)؟ قلت : معناه أن النار في نفسها دار الخلد ، كقوله تعالى (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) والمعنى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، وتقول : لك في هذه الدار دار السرور. وأنت تعنى الدار بعينها (جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) أى جزاء بما كانوا يلغون فيها ، فذكر الجحود الذي هو سبب اللغو.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ)(٢٩)
(الَّذَيْنِ أَضَلَّانا) أى الشيطانين اللذين أضلانا (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) لأنّ الشيطان على ضربين : جنى وإنسى. قال الله تعالى (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) وقال تعالى (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) وقيل : هما إبليس وقابيل ، لأنهما سنا الكفر والقتل بغير حق. وقرئ : أرنا ، بسكون الراء لثقل الكسرة ، كما قالوا في فخذ : فخذ. وقيل : معناه أعطنا للذين أضلانا. وحكوا عن الخليل : أنك إذا قلت : أرنى ثوبك بالكسر ، فالمعنى : بصرنيه. وإذا قلته بالسكون ، فهو استعطاء ، معناه : أعطنى ثوبك : ونظيره : اشتهار الإيتاء في معنى الإعطاء. وأصله : الإحضار
(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)(٣٢)
(ثُمَ) لتراخى الاستقامة عن الإقرار في المرتبة. وفضلها عليه ، لأنّ الاستقامة لها الشأن كله. ونحوه قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) والمعنى : ثم ثبتوا على الإقرار ومقتضياته. وعن أبى بكر الصديق رضى الله عنه : استقاموا فعلا كما استقاموا قولا.