(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(١٢)
وقرئ : ويقدّره. (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فإذا علم أنّ الغنى خير للعبد أغناه ، وإلا أفقره.
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)(١٣)
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ) دين نوح ومحمد ومن بينهما من الأنبياء ، ثم فسر المشروع الذي اشترك هؤلاء الأعلام من رسله فيه بقوله (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) والمراد : إقامة دين الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته ، والإيمان برسله وكتبه ، وبيوم الجزاء ، وسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما ، ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسب أحوالها ، فإنها مختلفة متفاوتة. قال الله تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) ومحل (أَنْ أَقِيمُوا) إما نصب بدل من مفعول شرع والمعطوفين عليه ، وإما رفع على الاستئناف ، كأنه قيل : وما ذلك المشروع؟ فقيل : هو إقامة الدين. ونحوه قوله تعالى (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً). (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) عظم عليهم وشق عليهم (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) من إقامة دين الله والتوحيد (يَجْتَبِي إِلَيْهِ) يجتلب إليه ويجمع. والضمير للدين بالتوفيق والتسديد (مَنْ يَشاءُ) من ينفع فيهم توفيقه ويجرى عليهم لطفا.
(وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ)(١٤)
__________________
ولعبت طير بهم أبابيل |
|
فصيروا مثل كعصف مأكول |
يقول : بالأمس ، أى : في الزمن الماضي القريب ، كانت تلك الديار مثلا في رخاء ، أى : خصب وسعة من الثروة والغنى ، مأمول ذلك ، أى : متمنى للناس ، وكرر كلمة التشبيه للتوكيد ، والعصف : ما على الحب وعلى ساق الزرع من التين والورق اليابس ، مأكول : أى أصابه الأكال ، وهو الدود. وأكلته الدواب ثم راثته. وأبابيل ، بمعنى جماعات متفرقة ، صفة طير ، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه. وقيل : واحده أبول كعجول. وقيل : إبال كمفتاح. وقيل إبيل كمسكين. وقول رؤية «صيروا» بالتشديد والبناء للمجهول ، ولعل هذا رجز غيره ذاك.