(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) متصل بقوله (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أى : ولئن سألتهم عن خالق السماوات والأرض ليعترفن به ، وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده جزاء فوصفوه بصفات المخلوقين. ومعنى (مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) أن قالوا الملائكة بنات الله ، فجعلوهم جزءا له وبعضا منه ، كما يكون الولد بضعة من والده وجزءا له. ومن بدع التفاسير : تفسير الجزء بالإناث ، وادعاء أنّ الجزء في لغة العرب : اسم للإناث ، وما هو إلا كذب على العرب ، ووضع مستحدث منحول ، ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه : أجزأت المرأة ، ثم صنعوا بيتا وبيتا :
إن أجزأت حرّة يوما فلا عجب (١)
زوجتها من بنات الأوس مجزئة (٢)
وقرئ : جزؤا ، بضمتين (لَكَفُورٌ مُبِينٌ) لجحود للنعمة ظاهر جحوده ، لأنّ نسبة الولد إليه كفر ، والكفر أصل الكفران كله (أَمِ اتَّخَذَ) بل اتخذ ، والهمزة للإنكار ، تجهيلا لهم وتعجيبا من شأنهم ، حيث لم يرضوا بأن جعلوا لله من عباده جزءا ، حتى جعلوا ذلك الجزء شر الجزأين : وهو الإناث دون الذكور ، على أنهم أنفر خلق الله عن الإناث وأمقتهم لهنّ ، ولقد بلغ بهم المقت إلى أن وأدوهنّ ، كأنه قيل : هبوا أنّ إضافة اتخاذ الولد إليه جائزة فرضا وتمثيلا ، أما تستحيون من الشطط في القسمة؟ ومن ادعائكم (٣) أنه آثركم على نفسه بخير الجزأين
__________________
(١) إن أجزأت حرة يوما فلا عجب |
|
قد تجزئ الحرة المذكار أحيانا |
قيل : «الجزؤ» اسم للأنثى ، واشتقوا منه : أجزأت المرأة ، إذا ولدت جزءا : أى أنثى. وأنكره الزمخشري وقال إنه اصطناع لا لغة. والمعنى : إن ولدت امرأة حرة أنثى في بعض الأحيان فلا عجب ، فان الحرة التي تلد الذكور كثيرا قد تلد أنثى في بعض الأوقات. وقيل : حرة الأولى اسم امرأة ، والثانية صفة.
(٢) زوجتها من بنات الأوس مجزئة |
|
للعوسج اللدن في أبيانها زجل |
قيل : «المجزئة» التي تلد البنات. والجزؤ : البنت. وأنكره الزمخشري وقال : إنه مصنوع لا لغة. والعوسج : ضرب من الشوك. والمراد به : عود المغزل المتخذ منه. واللدن : اللين. والزجل : صوت دوران المغزل. ونحوه : وزوجتها ، مبنى للمجهول. وروى : «نكحتها من بنات الأوس» هو أبو قبيلة سميت باسمه ، تلد تلك المرأة البنات. وجعل العوسج لدنا ، لأنه أكثر دويا ورنينا في دورانه.
(٣) قال محمود : «كأنه قيل : هبوا أن إضافة الولد إليه جائزة فرضا وتمثيلا ، أما تستحيون من الشطط في القسمة؟ ومن ادعاء أنه آثركم على نفسه ... الخ» قال أحمد : نحن معاشر أهل السنة نقول : إن كل شيء بمشيئة الله تعالى ، حتى الضلالة والهدى : اتباعا لدليل العقل ، وتصديقا لنص النقل في أمثال قوله تعالى (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) وآية الزخرف هذه لا تزيد هذا المعتقد الصحيح إلا تمهيدا ، ولا تفيده إلا تصويبا وتسديدا ، فنقول : إذا قال الكافر : لو شاء الله ما كفرت ، فهذه كلمة حق أراد بها باطلا. أما كونها كلمة حق فلما مهدناه. وأما كونه أراد بها باطلا ، فمراد الكافر بذلك أن يكون له الحجة على الله ، توهما أنه يلزم من مشيئة الله تعالى لضلالة من ضل : أن