للحال ، واسم الإشارة مبتدأ ، والأنهار صفة لاسم الإشارة ، وتجرى خبر للمبتدإ وليت شعري كيف ارتقت إلى دعوة الربوبية همة من تعظم بملك مصر ، وعجب الناس من مدى عظمته ، وأمر فنودي بها في أسواق مصر وأزقتها ، لئلا تخفى تلك الأبهة (١) والجلالة على صغير ولا كبير وحتى يتربع في صدور الدهماء مقدار عزته وملكوته. وعن الرشيد : أنه لما قرأها قال : لأولينها أخس عبيدي ، فولاها الخصيب ، وكان على وضوئه. وعن عبد الله بن طاهر أنه وليها ، فخرج إليها فلما شارفها ووقع عليها بصره قال : أهى القرية التي افتخر بها فرعون حتى قال : أليس لي ملك مصر ، والله لهى أقل عندي من أن أدخلها ، فثنى عنانه (أَمْ أَنَا خَيْرٌ) أم هذه متصلة ، لأنّ المعنى : أفلا تبصرون أم تبصرون ، إلا أنه وضع قوله (أَنَا خَيْرٌ) موضع : تبصرون ، لأنهم إذا قالوا له : أنت خير ، فهم عنده بصراء ، وهذا من إنزال السبب منزلة المسبب. ويجوز أن تكون منقطعة على : بل أأنا خير ، والهمزة للتقرير ، وذلك أنه قسم تعديد أسباب الفضل والتقدّم عليهم من ملك مصر وجرى الأنهار تحته ، ونادى بذلك وملأ به مسامعهم ، ثم قال : أنا خير كأنه يقول : أثبت عندكم واستقر أنى أنا خير وهذه حالى (مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) أى ضعيف حقير. وقرئ : أما أنا خير (وَلا يَكادُ يُبِينُ) الكلام لما به من الرتة (٢) ، يريد : أنه ليس معه من العدد وآلات الملك والسياسة ما يعتضد به ، وهو في نفسه مخل بما ينعت به الرجال من اللسن والفصاحة ، وكانت الأنبياء كلهم أبيناء (٣) بلغاء. وأراد بإلقاء الأسورة عليه : إلقاء مقاليد الملك إليه ، لأنهم كانوا إذا أرادوا تسويد الرجل سوّروه بسوار وطوّقوه بطوق من ذهب (مُقْتَرِنِينَ) إما مقترنين به من قولك : قرنته فاقترن (٤) به ، وإما من : اقترنوا ، بمعنى تقارنوا ، لما وصف نفسه بالملك والعزة ووازن بينه وبين موسى صلوات الله عليه ، فوصفه بالضعف وقلة الأعضاد اعترض فقال : هلا إن كان صادقا ملكه ربه وسوّده وسوّره ، وجعل الملائكة أعضاده وأنصاره. وقرئ : أساور جمع أسورة ، وأساوير جمع أسوار وهو السوار ، وأساورة على تعويض التاء من ياء أساوير. وقرئ : ألقى عليه أسورة وأساور ، على البناء للفاعل ، وهو الله عز وجل.
(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ)(٥٤)
__________________
(١) قوله «تلك الأبهة» كسكرة ، كذا بهامش الصحاح. وفي الصحاح : «دهماء الناس» : جماعتهم. (ع)
(٢) قوله «لما به من الرتة» بالضم : العجمة في الكلام ، كذا في الصحاح. (ع)
(٣) قوله «وكانت الأنبياء كلهم أبيناء» في الصحاح : بان الشيء بيانا : اتضح ، فهو بين ، والجمع أبيناه ، مثل هين وأهيناء. (ع)
(٤) قوله «قرنته فاقترن به» لعله قرنته به فاقترن (ع)