(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ) فاستفزهم. وحقيقته : حملهم على أن يخفوا له ولما أراد منهم ، وكذلك :استفز ، من قولهم للخفيف : فز.
(فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ)(٥٦)
(آسَفُونا) منقول من أسف أسفا إذا اشتد غضبه. ومنه الحديث في موت الفجأة: رحمة للمؤمن وأخذة أسف للكافر (١). ومعناه : أنهم أفرطوا في المعاصي وعدوا طورهم ، فاستوجبوا أن نعجل لهم عذابنا وانتقامنا ، وأن لا نحلم عنهم. وقرئ : سلفا جمع سالف ، كخادم وخدم. وسلفا ـ بضمتين ـ جمع سليف ، أى : فريق قد سلف. وسلفا : جمع سلفة ، أى : ثلة قد سلفت. ومعناه : فجعلناهم قدوة للآخرين من الكفار ، يقتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم ونزوله بهم ، لإتيانهم بمثل أفعالهم ، وحديثا عجيب الشأن سائرا مسير المثل ، يحدثون به ويقال لهم : مثلكم مثل قوم فرعون.
(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ)(٥٩)
لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) امتعضوا (٢) من ذلك امتعاضا شديدا ، فقال عبد الله بن الزبعرى : يا محمد ، أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال عليه السلام : هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم ، فقال : خصمتك ورب الكعبة ، ألست تزعم أنّ عيسى ابن مريم نبىّ وتثني عليه خيرا وعلى أمه ، وقد علمت أنّ النصارى يعبدونهما. وعزير يعبد. والملائكة يعبدون ، فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم ، ففرحوا وضحكوا ، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) ونزلت هذه الآية (٣). والمعنى : ولما ضرب عبد الله بن الزبعرى عيسى ابن مريم مثلا ، وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة النصارى إياه (إِذا قَوْمُكَ)
__________________
(١) تقدم في طه.
(٢) قوله «امتعضوا من ذلك» غضبوا منه وشق عليهم ، كذا في الصحاح. (ع)
(٣) تقدم في أواخر الأنبياء.