واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف» فأصابهم الجهد حتى أكلوا الجيف (١) والعلهز ، وكان الرجل يرى بين السماء والأرض الدخان ، وكان يحدّث الرجل (٢) فيسمع كلامه ولا يراه من الدخان ، فمشى إليه أبو سفيان ونفر معه وناشدوه الله والرحم وواعدوه إن دعا لهم وكشف عنهم أن يؤمنوا ، فلما كشف عنهم رجعوا إلى شركهم (بِدُخانٍ مُبِينٍ) ظاهر حاله لا يشك أحد في أنه دخان (يَغْشَى النَّاسَ) يشملهم ويلبسهم ، وهو في محل الجر صفة لدخان. و (هذا عَذابٌ) إلى قوله (مُؤْمِنُونَ) منصوب المحل بفعل مضمر ، وهو : يقولون. ويقولون : منصوب على الحال ، أى : قائلين ذلك. (إِنَّا مُؤْمِنُونَ) موعدة بالإيمان إن كشف عنهم العذاب.
(أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ)(١٦)
(أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) كيف يذكرون ويتعظون ويفون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب (وَقَدْ جاءَهُمْ) ما هو أعظم وأدخل في وجوب الادّكار من كشف الدخان ، وهو ما ظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات من الكتاب المعجز وغيره من المعجزات ، فلم يذكروا وتولوا عنه ، وبهتوه (٣) بأن عداسا غلاما أعجميا لبعض ثقيف هو الذي علمه ، ونسبوه إلى الجنون ، ثم قال (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) أى ريثما نكشف عنكم العذاب تعودون إلى شرككم لا تلبثون غب الكشف على ما أنتم عليه من التضرع والابتهال. فإن قلت : كيف يستقيم على قول من جعل الدخان قبل يوم القيامة قوله (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً)؟ قلت : إذا أتت السماء بالدخان تضور (٤) المعذبون به من الكفار والمنافقين وغوّثوا وقالوا (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) منيبون ، فيكشفه الله عنهم بعد أربعين يوما ، فريثما يكشفه عنهم يرتدون لا يتمهلون ، ثم قال : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) يريد
__________________
(١) قوله «حتى أكلوا الجيف والعلهز» في الصحاح «العلهز» ـ بالكسر ـ : طعام كانوا يتخذونه من الدم ووبر البعير في زمن المجاعة. (ع)
(٢) قوله «وكان يحدث الرجل فيسمع» لعله : يحدث الرجل الرجل ، ويمكن أن يجعل الفاعل ضميرا يعود على الرجل السابق. (ع)
(٣) قوله وتولوا عنه وبهتوه» رموه بما ليس فيه والتغويث قولها : وا غوثاه ، كما في الصحاح أيضا. (ع)
(٤) قوله «تضور المعذبون به» التضور : الصياح والتلوي عند الألم. أفاده الصحاح. (ع)