(فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ)(٢٤)
(أَنَّ هؤُلاءِ) بأن هؤلاء ، أى : دعا ربه بذلك. قيل : كان دعاؤه : اللهم عجل لهم ما يستحقونه بإجرامهم : وقيل هو قوله (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وإنما ذكر الله تعالى السبب الذي استوجبوا به الهلاك ، وهو كونهم مجرمين. وقرئ : إنّ هؤلاء ، بالكسر على إضمار القول ، أى : فدعا ربه فقال : إن هؤلاء (فَأَسْرِ) قرئ بقطع الهمزة من أسرى ، ووصلها من سرى. وفيه وجهان : إضمار القول بعد الفاء ، فقال : أسر بعبادي. وأن يكون جواب شرط محذوف ، كأنه قيل : قال إن كان الأمر كما تقول فأسر (بِعِبادِي) يعنى : فأسر ببني إسرائيل ، فقد دبر الله أن تتقدموا ويتبعكم فرعون وجنوده ، فينجى المتقدمين ويغرق التابعين. الرهو فيه وجهان ، أحدهما : أنه الساكن. قال الأعشى :
يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة |
|
ولا الصدور على الأعجاز تتّكل (١) |
أى مشيا ساكنا على هينة. أراد موسى لما جاوز البحر أن يضربه بعصاه فينطبق ، كما ضربه فانفلق ، فأمر بأن يتركه ساكنا على هيئته ، قارّا على حاله : من انتصاب الماء ، وكون الطريق يبسا لا يضربه بعصاه ولا يغير منه شيئا ليدخله القبط ، فإذا حصلوا فيه أطبقه الله عليهم. والثاني :
__________________
(١) يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة |
|
ولا الصدور على الأعجاز تتكل |
فهن معترضات والحصى رمض |
|
والريح ساكنة والظل معتدل |
يتبعن سامية العينين تحسبها |
|
مجنونة أو ترى ما لا ترى الإبل |
تهدى لنا كلما كانت علاوتنا |
|
ريح الخزامى جرى فيها الندى الخضل |
للقطافى ، يصف إبلا يمشين مشيا رهوا على هينة وسكينة ، فلا أعجازها خادلة أى تاركة لصدورها متكلة عليها بحيث تضعف من ورائها ، ولا صدورها تتكل على أعجازها بأن تضعف من قدامها ، فأطلق الخذلان والاتكال وأراد لازمهما ، وهو الضعف : مجازا مرسلا. وأصل تتكل توتكل ، فقلبت الواو تاء وأدغمت فيما بعدها ، فهن سائرات في عرض الفلوات. والحال أن الحصى حار من شدة وقع الشمس عليه. ورمض الحصى والرمل رمضا كتعب تعبا : اشتد حره من الشمس ، فأطلق المصدر على اسم الفاعل مبالغة. ويجوز أنه رمض كحذر والريح ساكنة ، فلا نسيم يأتى بالبرودة. أو فلا غبار يضر بالسفر والظل معتدل : كناية عن اشتداد الحر ، لأنه لا يعتدل إلا بتوسط الشمس في كبد السماء يتبعن تلك المطايا ناقة حديدة البصر رافعة طرفها لتبصر أمامها ، تظنها يا من تراها مجنونة. أو رائية شيئا لا تراه بقية الإبل. أو شيئا لا تراه الإبل عادة ، فلذلك استغربته ، تهدى لنا تلك الناقة أو الإبل بمشيها كلما وجد ارتفاعنا في الطريق ريح الخزامى. والعلاوة ـ بالضم ـ : ضد السفالة. وأما بالكسر فهي ما يعلق على البعير بعد حمله. والخزامى : نبت طيب الرائحة. والخضل : الرطب والمبتل والناعم. وضمير فيها عائد على الخزامى. أو على الريح ، لكن هذا يفيد أن السفر كان صباحا.