وقالت الخارجية :
أيا شجر الخابور مالك مورقا |
|
كأنّك لم تجزع على ابن طريف (١) |
وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه ، وكذلك ما يروى عن ابن عباس رضى الله عنهما : من بكاء مصلى المؤمن ، وآثاره في الأرض ، ومصاعد عمله ، ومهابط رزقه في السماء : تمثيل ، ونفى ذلك عنهم في قوله تعالى (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) فيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده : فيقال فيه : بكت عليه السماء والأرض. وعن الحسن : فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون ، بل كانوا بهلاكهم مسرورين ، يعنى : فما بكى عليهم
__________________
ـ الندبة منعت ضمة وجلبت فتحة. واستعمال «يا» في الندبة مع أن الأصل فيها «وا» لعدم اللبس في النداء بعد ذكر النعي. ويقال : كسفت الشمس كسوفا ، وكسفها الله كسفا ، وبكى على زيد وبكاء ، وباكاء فبكاه ، أى غلبه في البكاء ، كفاخره ففخره إذا غلبه في الفخر ، فكسف ، وبكى : متعديان ولازمان ، وطالعة : خبر الشمس. وليست بكاسفة : خبر ثان. وتبكى عليك : حال أو خبر ثالث. ونجوم الليل : مفعول كاسفة ، أى : لم تكسف الشمس نجوم الليل لانطماسها وقلة ضوئها من كثرة بكائها ، فلا تقدر على منع الكواكب من الظهور. ويحتمل أن نجوم الليل مفعول تبكى. أى : تغلب نجوم الليل في البكاء عليك. وقيل : روايته هكذا وهم ، والرواية : الشمس كاسفة ليست بطالعة : أى لا تطلع أبدا من حينئذ ، فالأوجه أن نجوم الليل مفعول تبكى. وقيل : ظرف له ، أى :
مدة نجوم ... الخ. وقيل «نجوم» مرفوع على الفاعلية ، والقمر : مفعول معه ، ثم إن المراد بهذا حزن جميع المخلوقات عليه ، لا سيما الناس العقلاء.
أيا شجر الخابور مالك مورقا |
|
كأنك لم تجزع على ابن طريف |
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى |
|
ولا المال إلا من قنا وسيوف |
حليف الندى ما عاش يرضى به الندى |
|
فان مات لم يرض الندى بحليف |
فقد ناء فقدان الربيع وليتنا |
|
فديناه من ساداتنا بألوف |
لليلى بنت طريف ترثى أخاها الوليد. وأيا : حرف نداء. والخابور : موضع كثير الشجر ، نزلت شجرة منزلة العاقل ، فنادته واستفهمته عن سبب إخراجه الورق ، من باب تجاهل العارف ساقت المعلوم مساق المجهول ، واستفهمت عنه لفرط ما بها من الجزع تيقنت أن كل الأشياء جزعت عليه حتى الشجر ، فخاطبته بقولها : كأنك لم تجزع على أخى ، وذكرته بكنيته تعظيما لقدره وتنويها بذكره. ومورقا : حال من كاف الخطاب ، ثم قالت : هو فتى لا يحب أن يتزود إلا من التقى ، ولا يحب المال إلا من الغنائم بالحرب ، فقولها «إلا من قنا وسيوف» : كناية عن ذلك. والقناة : الرماح ، واحده : قناة. حليف الندى : أى ملازم له تلازم المتحالفين على الاجتماع ، فهو استعارة مصرحة ، ثم قالت : يرضى به أى بصحبته الندى : مدة حياته وإن طالت. وهذا ترشيح للاستعارة. وقولها : فان مات «إن» فيه بمعنى إذ ، فهي لمجرد الربط لا للشك ، كما ذهب إليه الكوفيون في نحو قوله تعالى (وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وهذا على أنه كان قد مات كما هو ظاهر قولها فقدناه. ويحتمل أنه كان في مرض الموت ، أى : شارفنا فقده مجازا ، كأنه قد حصل. وشبهته بالربيع في ضمن تشبيه فقدانه فقدان الربيع يجامع عموم نفع كل : مدحته بالتقوى والشجاعة والكرم وعموم النفع والسيادة ، وتنكير ألوف للتكثير ، ويروى : دهمائنا ، بدل سادتا. والدهماء : السواد العظيم. وظاهر التمني يدل أيضا على أنه كان قد مات ، إلا أن يكون المعنى : ليتنا فديناه مما أصابه فأمرضه. وتكرير «حليف» من باب رد العجز على الصدر