وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ)(١٦)
قرئ : حسنا ، بضم الحاء وسكون السين. وبضمهما. وبفتحهما. وإحسانا. وكرها ، بالفتح والضم ، وهما لغتان في معنى المشقة ، كالفقر والفقر. وانتصابه على الحال : أى : ذات كره. أو على أنه صفة للمصدر ، أى : حملا ذا كره (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ) ومدّة حمله وفصاله (ثَلاثُونَ شَهْراً) وهذا دليل على أن أقل الحمل ستة أشهر ، لأن مدّة الرضاع إذا كانت حولين لقوله عز وجل (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) بقيت للحمل ستة أشهر. وقرئ : وفصله. والفصل والفصال : كالفطم والفطام ، بناء ومعنى. فإن قلت : المراد بيان مدّة الرضاع لا الفطام ، فكيف عبر عنه بالفصال؟ قلت : لما كان الرضاع يليه الفصال ويلابسه لأنه ينتهى به ويتم : سمى فصالا ، كما سمى المدّة بالأمد من قال :
كل حى مستكمل مدّة العمر |
|
ومود إذا انتهى أمده (١) |
وفيه فائدة وهي الدلالة على الرضاع التام المنتهى بالفصال ووقته. وقرئ : حتى إذا استوى وبلغ أشدّه. وبلوغ الأشد : أن يكتهل ويستوفى السنّ التي تستحكم فيها قوّته وعقله وتمييزه ، وذلك إذا أناف على الثلاثين وناطح الأربعين. وعن قتادة : ثلاث وثلاثون سنة ، ووجهه أن يكون ذلك أوّل الأشد ، وغايته الأربعين. وقيل : لم يبعث نبىّ قط إلا بعد أربعين سنة. والمراد بالنعمة التي استوزع الشكر عليها : نعمة التوحيد والإسلام ، وجمع بين شكرى النعمة عليه وعلى والديه ، لأن النعمة عليهما نعمة عليه. وقيل في العمل المرضى : هو الصلوات الخمس. فإن قلت : ما معنى (فِي) في قوله (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي)؟ قلت : معناه : أن يجعل ذرّيته موقعا للصلاح (٢) ومظنة له كأنه قال : هب لي الصلاح في ذرّيتى وأوقعه فيهم ونحوه :
يجرح في عراقيبها نصلى (٣)
(مِنَ الْمُسْلِمِينَ) من المخلصين. وقرئ : يتقبل ، ويتجاوز ، بفتح الياء ، والضمير فيهما لله عز
__________________
(١) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٢٧٧ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٢) قال محمود : «فان قلت : ما معنى في هاهنا ، وأجاب بأن المراد جعل ذريته ... الخ» قال أحمد : ومثله قوله تعالى (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) عدولا عن قوله : إلا مودة القربى. أو المودة للقربى ، والله أعلم.
(٣) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثاني صفحة ٥٧٨ فراجعه إن شئت اه مصححه.