وجل. وقرئا بالنون. فإن قلت : ما معنى قوله (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ)؟ قلت : هو نحو قولك : أكرمنى الأمير في ناس من أصحابه ، تريد : أكرمنى في جملة من أكرم منهم ، ونظمنى في عدادهم ، ومحله النصب على الحال ، على معنى : كائنين في أصحاب الجنة ومعدودين فيهم (وَعْدَ الصِّدْقِ) مصدر مؤكد ، لأن قوله : يتقبل ، ويتجاوز : وعد من الله لهم بالتقبل والتجاوز. وقيل : نزلت في أبى بكر رضى الله عنه وفي أبيه أبى قحافة وأمّه أم الخير وفي أولاده ، واستجابة دعائه فيهم. وقيل : لم يكن أحد من الصحابة من المهاجرين منهم والأنصار أسلم هو ووالداه وبنوه وبناته غير أبى بكر.
(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ)(١٨)
(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) مبتدأ خبره : أولئك الذين حق عليهم القول. والمراد بالذي قال : الجنس القائل ذلك القول ، ولذلك وقع الخبر مجموعا. وعن الحسن : هو في الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث. وعن قتادة : هو نعت عبد سوء عاق لوالديه فاجر لربه. وقيل : نزلت في عبد الرحمن بن أبى بكر (١) قبل إسلامه وقد دعاه أبوه أبو بكر وأمّه أمّ رومان إلى الإسلام ، فأفف بهما وقال : ابعثوا لي جدعان بن عمرو وعثمان بن عمرو ، وهما من أجداده حتى أسألهما
__________________
(١) قال محمود : «زعم بعضهم أن المعنى بالآية عبد الرحمن بن أبى بكر ... الخ» قال أحمد : ونحن نختار أن المراد الجنس لا عبد الرحمن بن أبى بكر ، ولكنا لا نختار الرد على قائل ذلك بهذا الوجه ، فان له أن يقول : أراد عبد الرحمن وأمته ، ومثل ذلك قول الله تعالى حكاية عن العزيز يخاطب زليخا (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) فخاطبها وخاطب أمتها ، والمقصودة هي ، وقد عاد إلى خطابها خصوصا بقوله (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) ولكن وجه الرد على من زعم أن المراد عبد الرحمن : ما ذكره الزمخشري ثانيا فقال (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) هم المخلدون في النار في علم الله تعالى ، وعبد الرحمن كان من أفاضل المسلمين وسرواتهم. ونقل أن معاوية كتب إلى مروان بأن يبايع الناس ليزيد فقال عبد الرحمن : لقد جئتم بها هرقلية أتبايعون لأبنائكم فقال مروان أيها الناس : إن هذا هو الذي قال الله فيه (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ ...) الآية فسمعت عائشة فغضبت وقالت : والله ما هو به ، ولو شئت أن أسميه لسميته ، ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه فأنت فضض من لعنة الله» قال أحمد : وفي هذه الآية رد على من زعم أن المفرد الجنسي لا يعمم ، لأنه لا يعامل معاملة الجمع لا في الصفة ولا في الخبر ، فلا يجوز أن تقول : الدينار الصفر خير من الدرهم البيض ، وهذا مردود بأن خبر الذي الواقع جنسا جاء على نعت خبر المجموع كما رأيت ، والله أعلم.