عما يقول محمد ، ويشهدوا لبطلانه أن المراد بالذي قال : جنس القائلين ذلك ، وأنّ قوله الذين حق عليهم القول : هم أصحاب النار ، وعبد الرحمن كان من أفاضل المسلمين وسرواتهم. وعن عائشة رضى الله عنها إنكار نزولها فيه ، وحين كتب معاوية إلى مروان بأن يبايع الناس ليزيد قال عبد الرحمن : لقد جئتم بها هرقلية : تبايعون لأبنائكم ، فقال مروان : يا أيها الناس ، هو الذي قال الله فيه (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) فسمعت عائشة فغضبت وقالت : والله ما هو به ، ولو شئت أن أسميه لسميته (١) ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه ، فأنت فضض من لعنة الله (٢). وقرئ : أف ، بالكسر والفتح بغير تنوين ، وبالحركات الثلاث مع التنوين ، وهو صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر ، كما إذا قال : حس ، علم منه أنه متوجع ، واللام للبيان ، معناه : هذا التأفيف لكما خاصة ، ولأجلكما دون غير كما. وقرئ : أتعدانني : بنونين. وأ تعداني : بأحدهما. وأ تعداني : بالإدغام. وقد قرأ بعضهم : أتعدانني بفتح النون ، كأنه استثقل اجتماع النونين والكسرتين والياء ، ففتح الأولى تحريا للتخفيف ، كما تحراه من أدغم ومن أطرح أحدهما (أَنْ أُخْرَجَ) أن ابعث وأخرج من الأرض. وقرئ : أخرج (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) يعنى : ولم يبعث منهم أحد (يَسْتَغِيثانِ اللهَ) يقولان : الغياث بالله منك ومن قولك ، وهو استعظام لقوله (وَيْلَكَ) دعاء عليه بالثبور : والمراد به الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك (فِي أُمَمٍ) نحو قوله (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) وقرئ : أن ، بالفتح ، على معنى : آمن بأن وعد الله حق.
(وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(١٩)
(وَلِكُلٍ) من الجنسين المذكورين (دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) أى منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر ، ومن أجل ما عملوا منهما (٣). فإن قلت : كيف قيل : درجات ، وقد جاء : الجنة درجات والنار دركات؟ قلت : يجوز أن يقال ذلك على وجه التغليب ، لاشتمال كل على الفريقين (وَلِيُوَفِّيَهُمْ) وقرئ : بالنون تعليل معلله محذوف لدلالة الكلام عليه ، كأنه قيل :
__________________
(١) أخرجه النسائي ، واللفظ له وابن أبى خيثمة والحاكم وابن مردويه من رواية محمد بن زياد ـ وقال «لما بايع معاوية لابنه قال مروان : سنة أبى بكر وعمر. فقال عبد الرحمن بن أبى بكر : سنة هر قل وقيصر قال مروان : هذا الذي أنزل ـ فذكر الآية فبلغ ذلك عائشة فقالت : كذب والله. ما هو به. فذكره. ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه إلى آخره. ولفظ ابن أبى خيثمة «إن معاوية كتب إلى مروان بن الحكم أن يبايع الناس ليزيد بن معاوية. فقال عبد الرحمن لقد جئتم بها هر قلبة ـ إلى آخر لفظ المصنف. قلت : أصله في البخاري من رواية يوسف بن ماهك عن عائشة دون ما في آخره.
(٢) قوله «فأنت فضض من لعنة الله» في الصحاح كل شيء تفرق فهو فضض. وفي الحديث : أنت فضض من لعنة الله ، يعنى : ما انفض من نطفة الرجل وتردد في صلبه. (ع)
(٣) قوله «ومن أجل ما عملوا منهما» لعله : أو من أجل. (ع)