وليوفيهم أعمالهم ولا يظلمهم حقوقهم : قدر جزاءهم على مقادير أعمالهم ، فجعل الثواب درجات والعقاب دركات.
(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) (٢٠)
ناصب الظرف هو القول المضمر قبل (أَذْهَبْتُمْ) وعرضهم على النار : تعذيبهم بها ، من قولهم : عرض بنو فلان على السيف (١) إذا قتلوا به. ومنه قوله تعالى (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) ويجوز أن يراد : عرض النار عليهم من قولهم : عرضت الناقة على الحوض ، يريدون : عرض الحوض عليها فقلبوا. ويدل عليه تفسير ابن عباس رضى الله عنه : يجاء بهم إليها فيكشف لهم عنها (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ) أى : ما كتب لكم حظ من الطيبات إلا ما قد أصبتموه في دنياكم ، وقد ذهبتم به وأخذتموه ، فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم شيء منها. وعن عمر رضى الله عنه : لو شئت لدعوت بصلائق وصناب (٢) وكراكر وأسنمة ، ولكنى رأيت الله تعالى نعى على قوم طيباتهم فقال : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا (٣). وعنه : لو شئت لكنت أطيبكم طعاما وأحسنكم لباسا ، ولكنى أستبقى طيباتى : (٤) وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل على أهل الصفة وهم يرقعون ثيابهم بالأدم ما يجدون لها رقاعا ، فقال : أأنتم اليوم خير أم يوم
__________________
(١) قال محمود : «عرضهم على النار إما من قولهم عرض بنو فلان على السيف ... الخ» قال أحمد : وإن كان قولهم : عرضت الناقة على الحوض مقلوبا ، فليس قوله : يعرض الذين كفروا على النار مقلوبا ، لأن الملجئ ثم إلى اعتقاد القلب أن الحوض جماد لا إدراك له ، والناقة هي المدركة ، فهي التي يعرض عليها الحوض حقيقة. وأما النار فقد وردت النصوص بأنها حينئذ مدكرة إدراك الحيوانات بل إدراك أولى العلم ، فالأمر في الآية على ظاهره ، كقولك : عرضت الأسرى على الأمير ، والله أعلم.
(٢) قوله «بصلائق وصناب» في الصحاح : الصلائق : الخبز الرقاق. والصناب : صباغ يتخذ من الخردل والزبيب. والكركرة : رحى زور البعير : والزور : أعلى الصدر اه أخذا من مواضع. (ع)
(٣) أخرجه ابن المبارك في الزهد أخبرنا جرير بن حازم أنه سمع الحسن يقول «قدم على أمير المؤمنين عمر وقد أهل البصرة مع أبى موسى الأشعرى قال لو كنا ندخل وأنه كل يوم خبز بيت. فذكر الحديث. وفيه «أما والله ما أجهل من كراكر وأسنمة وصلا وصناب وقال جرير : الصلا هو الشواء والصناب الخردل ، والصلائق الخبز الرقاق. ولكن سمعت الله عير أقواما بأمر فعلوه. فقال : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ) الآية. وأخرجه أبو عبيدة في الغريب. وابن سعد وأحمد في الزهد. وأبو نعيم في الحلية كلهم من طريق جرير به.
(٤) أخرجه الطبري من رواية سعيد عن قتادة قال ذكر لنا عمر قال : فذكره.