وأنه ضامن نصرهم والفتح عليهم. وقيل : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة في منامه ، ورؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم وحى ، فتأخر ذلك إلى السنة القابلة ، فجعل فتح خيبر علامة وعنوانا لفتح مكة (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) ويزيدكم بصيرة ويقينا ، وثقة بفضل الله.
(وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً)(٢١)
(وَأُخْرى) معطوفة على هذه ، أى : فعجل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) وهي مغانم هوازن في غزوة حنين ، وقال : لم تقدروا عليها لما كان فيها من الجولة (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) أى قدر عليها واستولى وأظهركم عليها وغنمكموها. ويجوز في (أُخْرى) النصب بفعل مضمر ، يفسره (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) تقديره : وقضى الله أخرى قد أحاط بها. وأما (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) فصفة لأخرى ، والرفع على الابتداء لكونها موصوفة بلم تقدروا ، وقد أحاط الله بها : خبر المبتدإ ، والجرّ بإضمار رب. فإن قلت : قوله تعالى (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) كيف موقعه؟ قلت : هو كلام معترض. ومعناه : ولتكون الكفة آية للمؤمنين فعل ذلك. ويجوز أن يكون المعنى : وعدكم المغانم ، فعجل هذه الغنيمة وكف الأعداء لينفعكم بها ، ولتكون آية للمؤمنين إذا وجدوا وعد الله بها صادقا ، لأنّ صدق الإخبار عن الغيوب معجزة وآية ، ويزيدكم بذلك هداية وإيقانا.
(وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً)(٢٣)
(وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة ولم يصالحوا. وقيل : من حلفاء أهل خيبر لغلبوا وانهزموا (سُنَّةَ اللهِ) في موضع المصدر المؤكد ، أى : سن الله غلبة أنبيائه سنه ، وهو قوله تعالى (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي).
(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً)(٢٤)
(أَيْدِيَهُمْ) أيدى أهل مكة ، أى : قضى بينهم وبينكم المكافة والمحاجزة بعد ما خولكم الظفر عليهم والغلبة ، وذلك يوم الفتح. وبه استشهد أبو حنيفة رحمه الله ، على أنّ مكة فتحت عنوة لا صلحا. وقيل : كان ذلك في غزوة الحديبية لما روى أنّ عكرمة بن أبى جهل خرج في خمسمائة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من هزمه وأدخله حيطان (١) مكة. وعن ابن
__________________
(١) أخرجه الطبري عن شيخه محمد بن حميد عن يعقوب القمي عن جعفر هو ابن أبى المغيرة عن ابن أبزى.