المنصوب في تعلموهم. والمعرة : مفعلة ، من عره بمعنى عراه إذا دهاه (١) ما يكره ويشق عليه. و (بِغَيْرِ عِلْمٍ) متعلق بأن تطؤهم ، يعنى : أن تطئوهم غير عالمين بهم. والوطء والدوس : عبارة عن الإيقاع والإبادة. قال :
ووطئتنا وطأ على حنق |
|
وطأ المقيّد نابت الهرم (٢) |
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وأن آخر وطأة وطئها الله بوج» (٣) والمعنى: أنه كان بمكة قوم من المسلمين مختلطون بالمشركين غير متميزين منهم ولا معروفى الأماكن ؛ فقيل : ولو لا كراهة أن تهلكوا ناسا مؤمنين بين ظهراني المشركين وأنتم غير عارفين بهم ، فتصيبكم بإهلاكهم مكروه ومشقة : لما كف أيديكم عنهم ، وحذف جواب «لو لا» لدلالة الكلام عليه (٤). ويجوز أن يكون (لَوْ تَزَيَّلُوا) كالتكرير للولا رجال مؤمنون ، لمرجعهما إلى معنى واحد ، ويكون (لَعَذَّبْنَا) هو الجواب. فإن قلت : أى معرة تصيبهم إذا قتلوهم وهم لا يعلمون. قلت : يصيبهم وجوب الدية والكفارة ، وسوء قالة المشركين أنهم فعلوا بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز ، والمأثم إذا جرى منهم بعض التقصير. فإن قلت : قوله تعالى (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) تعليل لما ذا؟ قلت : لما دلت عليه الآية وسيقت له :
__________________
(١) قوله «بمعنى عراه إذا دهاه» عبارة الصحاح بلفظها : هو يعر قومه : أى يدخل عليهم مكروها يلطخهم به.
والمعرة : الإثم. (ع)
(٢) ووطئتنا وطأ على حنق |
|
وطأ المقيد نابت الهرم |
وتركتنا لحما على وضم |
|
لو كنت تستبقى من اللحم |
للحرث بن وعلة الذهلي. والوطء : وضع القدم فوق الشيء بشدة. وهو كناية عن الإهلال. والحنق ـ كسبب ، الحقد والغيظ. والهرم ـ بالسكون ـ : ضرب من الحمض ترعاه الإبل ، وبعير هارم : يرعى الهرم. يقول : أتيتنا مرتفعا علينا بقوتك وشدة بطشك كوطء الجمل المقيد للهرم النابت : أى الحديث النبات. ويروى : يابس الهرم فيهلكه لعظمه وقوته ، مع رطوبة ذلك النبات وضعفه ، أو مع يبسه فيتفتت ، فجعله مقيدا لتكون بطشته قوية ، حيث يرفع رجليه معا ويضربها عند الوثوب. أو جعله مقيدا ، لأن الذليل إذا قدر لا يعفو. والوضم : خوان الجزار الذي يقطع عليه اللحم. و «لو» شرطية ، جوابها دل عليه قوله «تركتنا» أى : على فرض أنك تركت هنا بقية تركتنا كهذا اللحم الذي يهيأ للأكل. وفي التعبير بلو : دلالة على أنه لم يستبق منهم.
(٣) تقدم في آخر براءة.
(٤) قال محمود : «يجوز أن يكون جواب لو لا محذوفا ... الخ» قال أحمد : وإنما كان مرجعهما هاهنا واحدا وإن كانت لو لا تدل على امتناع لوجود ، و «لو» تدل على امتناع لامتناع ، وبين هذين تناف ظاهر ، لأن لو لا هاهنا دخلت على وجود ، ولو دخلت على قوله تزيلوا وهو راجع إلى عدم وجودهم وامتناع عدم الوجود وجود ، فآلا إلى أمر واحد من هذا الوجه. وكان جدي رحمه الله يختار هذا الوجه الثاني ويسميه تطرية ، وأكثر ما تكون إذا تطاول الكلام وبعد عهد أوله واحتيج إلى رد الآخر على الأول ، فمرة يطرى بلفظه ، ومرة بلفظ آخر يؤدى مؤداه. وقد تقدمت لها أمثال ، والله أعلم. وهو الموفق.