سورة الحجرات
مدنية ، وآياتها ١٨ [نزلت بعد المجادلة]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(١)
قدّمه وأقدمه : منقولان بتثقيل الحشو والهمزة ، من قدمه إذا تقدّمه (١) في قوله تعالى (يَقْدُمُ قَوْمَهُ) ونظيرهما معنى ونقلا : سلفه وأسلفه. وفي قوله تعالى (لا تُقَدِّمُوا) من غير ذكر مفعول : وجهان ، أحدهما : أن يحذف ليتناول كل ما يقع في النفس مما يقدّم. والثاني : أن لا يقصد قصد (٢) مفعول ولا حذفه ، ويتوجه بالنهى إلى نفس التقدمة ، كأنه قيل : لا تقدموا على التلبس بهذا الفعل ، ولا تجعلوه منكم بسبيل (٣) ، كقوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ويجوز أن يكون من قدّم بمعنى تقدّم ، كوجه وبين. ومنه مقدّمة الجيش خلاف ساقته ، وهي الجماعة المتقدّمة منه. وتعضده قراءة من قرأ : لا تقدموا ، بحذف إحدى تاءى تتقدموا ، إلا أن الأوّل أملأ بالحسن وأوجه ، وأشدّ ملاءمة لبلاغة القرآن ، والعلماء له أقبل. وقرئ : لا تقدموا من القدوم ، أى لا تقدموا إلى أمر من أمور الدين قبل قدومها ، ولا تعجلوا عليهما. وحقيقة قولهم : جلست بين يدي فلان ، أن يجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه ،
__________________
(١) قوله «إذا تقدمه في قوله تعالى» لعله كما في قوله تعالى. (ع)
(٢) قوله «أن لا يقصد قصد ... الخ» عبارة النسفي : أن لا يقصد مفعول. والتهجي متوجه إلى نفس التقدمة. (ع)
(٣) ذكر الزمخشري من النكت : «أنه تعالى ابتدأ السورة بإيجاب أن يكون الأمر الذي ينتهى إلى الله ورسوله متقدما على الأمور كلها من غير تقييد ولا تخصيص» قال أحمد : يريد أنه لم يذكر المفعول الذي يتقاضاه تقدموا ، باطراح ذلك المفعول كقوله (يُحْيِي وَيُمِيتُ) وحلى الكلام بمجاز التمثيل في قوله (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) بفائدة ليست في الكلام العريان ، وهو تصور الهجنة والشناعة فيما نهوا عنه من الاقدام على أمر دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة ، وجعل صورة ذلك المنهي عنه مثل أن يجلس العبد في الجهتين المسامتتين ليمين سيده ويساره ويوليه دبره ، ومعناه : أن لا تقدموا على أمر حتى يأذن الله ورسوله فيه فتكونوا مقتدين فيما تأتون وتذرون بكتاب الله وسنة نبيه.