عليه وسلم وقت الظهيرة وهو راقد ، فجعلوا ينادونه : محمد اخرج إلينا ، فاستيقظ فخرج (١) ونزلت. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فقال : «هم جفاة بنى تميم ، لو لا أنهم من أشدّ الناس قتالا للأعور الدجال لدعوت الله عليهم أن يهلكهم» (٢) فورود الآية على النمط الذي وردت عليه فيه مالا يخفى على الناظر : من بينات إكبار محل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلاله : منها مجيئها على النظم المسجل على الصائحين به بالسفه والجهل ، لما أقدموا عليه. ومنها لفظ الحجرات وإيقاعها كناية عن موضع خلوته. ومقيله مع بعض نسائه. ومنها : المرور على لفظها بالاقتصار على القدر الذي تبين به ما استنكر عليهم. ومنها : التعريف باللام دون الإضافة. ومنها : أن شفع ذمهم باستجفائهم واستركاك عقولهم وقلة ضبطهم لمواضع التمييز في المخاطبات ، تهوينا للخطب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتسلية له ، وإماطة لما تداخله من إيحاش تعجرفهم وسوء أدبهم ، وهلم جرا : من أوّل السورة إلى آخر هذه الآية ، فتأمّل كيف ابتدئ بإيجاب أن تكون الأمور التي تنتمى إلى الله ورسوله متقدّمة على الأمور كلها من غير حصر ولا تقييد ، ثم أردف ذلك النهى عما هو من جنس التقديم من رفع الصوت والجهر. كأن الأوّل بساط للثاني ووطاء لذكره ما هو ثناء على الذين تحاموا ذلك فغضوا أصواتهم ، دلالة على عظيم موقعه عند الله ، ثم جيء على عقب ذلك بما هو أطم وهجنته أتم : من الصياح برسول الله صلى الله عليه وسلم في حال خلوته ببعض حرماته من وراء الجدر ، كما يصاح بأهون الناس قدرا ، لينبه على فظاعة من أجروا إليه وجسروا عليه ، لأنّ من رفع الله قدره على أن يجهر له بالقول حتى خاطبه جلة المهاجرين (٣) والأنصار بأخى السرار ، كان صنيع هؤلاء من المنكر الذي بلغ من التفاحش مبلغا ، ومن هذا وأمثاله يقتطف ثمر الألباب
__________________
(١) أخرجه ابن اسحق في السيرة قال : «قدمت وفود العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر القصة قال : ولما قدم وفد بنى تميم دخلوا المسجد. فنادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات يا محمد اخرج إلينا ـ فذكره إلى آخره» وأخرجه ابن مردويه من رواية ابن إسحاق عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس قال «لما قدم وفد بنى تميم وهم سبعون رجلا ـ فذكره مطولا. وأخرجه ابن مندة في المعرفة. وأورده الثعلبي من طريق يعلى بن عبد الرحمن عن عبد الحميد بن جعفر عن شمر بن الحكم عن جابر قال «جاءت بنو تميم فدخلوا المسجد فنادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات أن اخرج إلينا يا محمد فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم. فذكره مطولا.
(٢) أخرجه الثعلبي من رواية هاشم بن القاسم الحراني عن يعلى بن الأشدق حدثنا سعد بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم ـ فذكره : ولمسلم من حديث أبى هريرة «لا أزال أحب بنى تميم لثلاث ـ فذكر فيه «وهم أشد أمتى على الدجال».
(٣) قوله «حتى خاطبه جلة المهاجرين» معظم المهاجرين. (ع)