للإنسان فيه عمل غلطا ومخالفة عن المعقول و (الْكُفْرَ) تغطية نعم الله تعالى وغمطها بالجحود. و (الْفُسُوقَ) الخروج عن قصد الإيمان ومحجته بركوب الكبائر (وَالْعِصْيانَ) ترك الانقياد والمضي لما أمر به الشارع. والعرق العاصي : العانذ (١). واعتصت النواة : اشتدّت. والرشد : الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه من الرشادة وهي الصخرة : قال أبو الوازع : كل صخرة رشادة. وأنشد :
وغير مقلّد وموشّمات |
|
صلين الضّوء من صمّ الرّشاد (٢) |
و (فَضْلاً) مفعول له ، أو مصدر من غير فعله (٣). فإن قلت : من أين جاز وقوعه مفعولا له ، والرشد فعل القوم ، والفضل فعل الله تعالى ، والشرط أن يتحد الفاعل. قلت : لما وقع الرشد عبارة عن التحبيب والتزيين والتكريه ، مسندة إلى اسمه تقدست أسماؤه : صار الرشد كأنه فعله ، فجاز أن ينتصب عنه أو لا ينتصب عن الراشدون ، ولكن عن الفعل المسند إلى اسم الله تعالى ، والجملة التي هي (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) اعتراض. أو عن فعل مقدر ، كأنه قيل : جرى ذلك ، أو كان ذلك فضلا من الله. وأما كونه مصدرا من غير فعله ، فأن يوضع موضع رشدا ، لأنّ رشدهم فضل من الله لكونهم موفقين فيه ، والفضل والنعمة بمعنى الإفضال والإنعام (وَاللهُ عَلِيمٌ)
__________________
(١) قوله «والعرق العاصي : العانذ» في الصحاح : عنذ العرق : سال ولم يرقأ ، فهو عرق عانذ. (ع)
(٢) الظاهر أن الشاعر يصف الديار بأنها لم يبق فيها غير وتد الخباء المقلد بالحبل ، وغير الأثافى المغير لونها بالنار. والوشم والتوشيم : تغيير اللون ، أى : التي احترقت بضوءها أى حرها. ومن صم الرشاد : بيان لها. والصم : جمع صماء ، أى : صلبة. والرشاد الصخر. واحدة رشادة. وقيل : يصف مطايا بأنها مطبوعة على العمل غير محتاجة الزمام ، وأنها غيرها أثر السير قوية ، بحيث يظهر الشرر من شدة وقع خفافها على الصخر الصلب.
(٣) أعرب الزمخشري فضلا في الآية مفعولا لأجله ، منصبا عن قوله : الراشدون ... الخ. قال أحمد : أورد الاشكال بعد تقرير أن الرشد ليس من فعل الله تعالى ، وإنما هو فعلهم حقيقة على ما هو معتقده ، ونحن بنينا على ما بينا : أن الرشد من أفعال الله ومخلوقاته ، فقد وجد شرط انتصاب المفعول له ، وهو اتحاد فاعل الفعلين ، على أن الاشكال وارد نصا على تقريرنا على غير الحد الذي أورده عليه الزمخشري ، بل من جهة أن الله تعالى خاطب خلقه بلغتهم المعهودة عندهم. ومما يعهدونه أن الفاعل من نسب إليه الفعل ، وسواء كان ذلك حقيقة أو مجازا حتى يكون زبد فاعلا وانقض الحائط وأشباهه كذلك. وقد نسب الرشد إليهم على طريقة أنهم الفاعلون وإن كانت النسبة مجازية باعتبار المعتقد ، وإذا تقرر وروده على هذا الوجه فلك في الجواب عنه طريقان : إما جواب الزمخشري ، وإما أمكن منه وأبين : وهو أن الرشد هنا يستلزم كونه راشدا ، إذ هو مطاوعه ، لأن الله تعالى أرشدهم فرشدوا. وحينئذ يتحد الفاعل على طريقة الصناعة المطابقة للحقيقة وهو عكس قوله (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) فان الاشكال بعينه وارد فيها ، إذ الخوف والطمع فعلهم ، أى : منسوب إليهم على طريقة أنهم الخانفون الطامعون ، والفعل الأول لله تعالى ، لأنه مريهم ذلك ، والجواب عنه : أنهم مفعولون في معنى الفاعلين ، بواسطة استلزام المطاوعة ، لأنه إذا أراهم فقد رأوا. وقد سلف هذا الجواب مكانه ، فصححت الكلام هاهنا بتقدير المفعول فاعلا وعكسه آية الحجرات ، إذ تصحيح الكلام فيها بتقدير الفاعل مفعولا ، وهذا من دقائق العربية فتأمله ، والله الموفق.