الضمير الراجع إليه على اللفظ دون المعنى (فَحَقَّ وَعِيدِ) فوجب وحل وعيدى ، وهو كلمة العذاب. وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتهديد لهم.
(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)(١٥)
عيى بالأمر : إذا لم يهتد لوجه عمله ، والهمزة للإنكار. والمعنى : أنا لم نعجز كما علموا عن الخلق الأول ، حتى نعجز عن الثاني ، ثم قال : هم لا ينكرون (١) قدرتنا على الخلق الأوّل ، واعترافهم بذلك في طيه الاعتراف بالقدرة على الإعادة (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ) أى في خلط وشبهة. قد لبس عليهم الشيطان وحيرهم. ومنه قول على رضى الله عنه : يا حار (٢) إنه لملبوس عليك ، اعرف الحق تعرف أهله. ولبس الشيطان عليهم : تسويله إليهم أن إحياء الموتى أمر خارج عن العادة ، فتركوا لذلك القياس الصحيح : أن من قدر على الإنشاء كان على الإعادة أقدر. فإن قلت : لم نكر الخلق الجديد ، (٣) وهلا عرّف كما عرّف الخلق الأول؟ قلت : قصد في تنكيره إلى خلق جديد له شأن عظيم وحال شديد ، حق من سمع به أن يهتم به ويخاف ، ويبحث عنه ولا يقعد على لبس في مثله.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(١٦)
__________________
(١) قوله «ثم قال هم لا ينكرون» يعنى كأنه قال ذلك بمعونة الاضراب. وقوله «في طيه ... الخ» أى يلزمه ذلك وإن لم يقع منهم اللبس. (ع)
(٢) قوله «يا حار إنه لملبوس» لعله ترخيم حارث. (ع)
(٣) وقع في النسخة ما أحكيه وصورته : «فان قلت لم نكر الخلق الجديد ... الخ» قال أحمد : هذا كلام كما تراه غير منتظم ، والظاهر أنه لفساد في النسخة ، والذي يتحرر في الآية ـ وهو مقتضى تفسير الزمخشري : أن فيها أسئلة ثلاثة : لم عرف الخلق الأول ونكر اللبس والخلق الجديد؟ فاعلم أن التعريف لا غرض منه إلا تفخيم ما قصد تعريفه وتعظيمه ، ومنه تعريف الذكور في قوله (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) ولهذا المقصد عرف الخلق الأول ، لأن الغرض جعله دليلا على إمكان الخلق الثاني بطريق الأولى أى إذا لم يعي تعالى بالخلق الأول على عظمته ، فالخلق الآخر أولى أن لا يعبأ به ، فهذا سر تعريف الخلق الأول. وأما التنكير فأمره منقسم : فمرة يقصد به تفخيم المنكر من حيث ما فيه من الإبهام ، كأنه أفخم من أن يخاطبه معرفة ، ومرة يقصد به التقليل من المنكر والوضع منه ، وعلى الأول (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) وقوله (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) و (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) وقوله (بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) وهو أكثر من أن يحصى. والثاني : هو الأصل في التنكير ، فلا يحتاج إلى تمثيله ، فتنكير اللبس من التعظيم والتفخيم ، كأنه قال : في لبس أىّ لبس : وتنكير الخلق الجديد للتقليل منه والتهوين لأمره بالنسبة إلى الخلق الأول ، ويحتمل أن يكون التفخيم ، كأنه أمر أعظم من أن يرضى الإنسان بكونه ملتبسا عليه ، مع أنه أول ما تبصر فيه صحته ، ولعل إشارة الزمخشري إلى هذا والله أعلم ، فهذا كما تراه كلام مناسب لاستطراف أسئلة وأجوبة ، فان يكن هو ما أراده الزمخشري فذاك ، وإلا فالعق العسل ولا تسل.