بالحكمة والغرض الصحيح ، كقوله تعالى (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ) وقرأ أبو بكر وابن مسعود رضى الله عنهما : سكرة الحق بالموت ، على إضافة السكرة إلى الحق والدلالة على أنها السكرة التي كتبت على الإنسان وأوجبت له ، وأنها حكمة ، والباء للتعدية ، لأنها سبب زهوق الروح لشدتها ، أو لأنّ الموت يعقبها ، فكأنها جاءت به. ويجوز أن يكون المعنى : جاءت ومعها الموت. وقيل سكرة الحق سكرة الله ، أضيفت إليه تفظيعا لشأنها وتهويلا. وقرئ : سكرات الموت (ذلِكَ) إشارة إلى الموت ، والخطاب للإنسان في قوله (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) على طريق الالتفات. أو إلى الحق والخطاب للفاجر (تَحِيدُ) تنفر وتهرب. وعن بعضهم : أنه سأل زيد بن أسلم عن ذلك فقال : الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحكاه لصالح بن كيسان فقال : والله ما سنّ عالية ولا لسان فصيح ولا معرفة بكلام العرب ، هو للكافر. ثم حكاهما للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس فقال : أخالفهما جميعا : هو للبر والفاجر (ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) على تقدير حذف المضاف ، أى : وقت ذلك يوم الوعيد ، والإشارة إلى مصدر نفخ (سائِقٌ وَشَهِيدٌ) ملكان : أحدهما يسوقه إلى المحشر ، والآخر يشهد عليه بعمله. أو ملك واحد جامع بين الأمرين ، كأنه قيل : معها ملك يسوقها ويشهد عليها ، ومحل (مَعَها سائِقٌ) النصب على الحال من كل لتعرّفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة. قرئ : لقد كنت. عنك غطاءك فبصرك ، بالكسر على خطاب النفس ، أى : يقال لها لقد كنت. جعلت الغفلة كأنها غطاء غطى به جسده كله أو غشاوة غطى بها عينيه فهو لا يبصر شيئا ، فإذا كان يوم القيامة تيقظ وزالت الغفلة عنه وغطاؤها فيبصر ما لم يبصره من الحق. ورجع بصره الكليل عن الإبصار لغفلته : حديدا لتيقظه.
(وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ)(٢٣)
(وَقالَ قَرِينُهُ) هو الشيطان الذي قيض له في قوله (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) يشهد له قوله تعالى (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ). (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) هذا شيء لدىّ وفي ملكتي عتيد لجهنم. والمعنى : أن ملكا يسوقه وآخر يشهد عليه ، وشيطانا مقرونا به ، يقول : قد أعتدته لجهنم وهيأته لها بإغوائى وإضلالى. فإن قلت : كيف إعراب هذا الكلام؟ قلت : إن جعلت (ما) موصوفة ، فعتيد : صفة لها : وإن جعلتها موصولة ، فهو بدل ، أو خبر بعد خبر. أو خبر مبتدأ محذوف.
(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ)(٢٦)