رؤوس الشياطين. وما سمت العرب هذا الثمر برءوس الشياطين إلا قصدا إلى أحد التشبيهين ، ولكنه بعد التسمية بذلك رجع أصلا ثالثا يشبه به (مِنْها) من الشجرة ، أى من ظلعها (فَمالِؤُنَ) بطونهم ، لما يغلبهم من الجوع الشديد ، أو يقسرون على أكلها وإن كرهوها ، ليكون بابا من العذاب ، فإذا شبعوا غلبهم العطش فيسقون شرابا من غساق أو صديد ، شوبه : أى مزاجه (مِنْ حَمِيمٍ) يشوى وجوههم ويقطع أمعاءهم ، كما قال في صفة شراب أهل الجنة (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) وقرئ : لشوبا ، بالضم ، وهو اسم ما يشاب به ، والأوّل تسمية بالمصدر. فإن قلت : ما معنى حرف التراخي في قوله (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً) وفي قوله (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ)؟ قلت : في الأوّل وجهان ، أحدهما : أنهم يملئون البطون من شجر الزقوم ، وهو حارّ يحرق بطونهم ويعطشهم ، فلا يسقون إلا بعد ملىّ تعذيبا بذلك العطش ، ثم يسقون ما هو احرّ وهو الشراب المشوب بالحميم. والثاني : أنه ذكر الطعام بتلك الكراهة والبشاعة ، ثم ذكر الشراب بما هو أكره وأبشع ، فجاء بثم للدلالة على تراخى حال الشراب عن حال الطعام ومباينة صفته لصفته في الزيادة عليه. ومعنى الثاني : أنهم يذهب بهم عن مقارّهم ومنازلهم في الجحيم ، وهي الدركات التي أسكنوها إلى شجرة الزقوم ، فيأكلون إلى أن يتملئوا ، ويسقون بعد ذلك ، ثم يرجعون إلى دركاتهم ، ومعنى التراخي في ذلك بين : وقرئ : ثم إن منقلبهم ، ثم إن مصيرهم ، ثم إن منفذهم إلى الجحيم : علل استحقاقهم للوقوع في تلك الشدائد كلها بتقليد الآباء في الدين ، واتباعهم إياهم على الضلال ، وترك اتباع الدليل. والإهراع : الإسراع الشديد ، كأنهم يحثون حثا. وقيل : إسراع فيه شبه بالرعدة.
(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ)(٧٤)
(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ) قبل قومك قريش. (مُنْذِرِينَ) أنبياء حذروهم العواقب. (الْمُنْذَرِينَ) الذين أنذروا وحذروا ، أى أهلكوا جميعا (إِلَّا عِبادَ اللهِ) الذين آمنوا منهم وأخلصوا دينهم لله ، أو أخلصهم الله لدينه على القراءتين.
(وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ)(٨٢)