وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ)(١٦)
(أَلَمْ يَأْنِ) من أنى الأمر يأنى ، إذا جاء إناه ، أى. وقته. وقرئ : ألم يئن ، من آن يئين بمعنى : أنى يأنى ، وألما يأن ، قيل : كانوا مجدبين بمكة ، فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه ، فنزلت. وعن ابن مسعود : ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين (١). وعن ابن عباس رضى الله عنهما : أنّ الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن. وعن الحسن رضى الله عنه : أما والله لقد استبطأهم وهم يقرؤن من القرآن أقل مما تقرءون. فانظروا في طول ما قرأتم منه وما ظهر فيكم من الفسق. وعن أبى بكر رضى الله عنه أنّ هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من أهل اليمامة ، فبكوا بكاء شديدا ، فنظر إليهم فقال : هكذا كنا حتى قست القلوب. وقرئ : نزّل ونزل. وأنزل (وَلا يَكُونُوا) عطف على تخشع ، وقرئ بالتاء على الالتفات. ويجوز أن يكون نهيا لهم عن مماثلة أهل الكتاب في قسوة القلوب بعد أن وبخوا ، وذلك أنّ بنى إسرائيل كان الحق يحول بينهم وبين شهواتهم ، وإذا سمعوا التوراة والإنجيل خشعوا لله ورقت قلوبهم ، فلما طال عليهم الزمان غلبهم الجفاء والقسوة واختلفوا وأحدثوا ما أحدثوا من التحريف وغيره. فإن قلت : ما معنى (لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ)؟ قلت : يجوز أن يراد بالذكر وبما نزل من الحق : القرآن ، لأنه جامع للأمرين : للذكر والموعظة ، وأنه حق نازل من السماء ، وأن يراد خشوعها إذا ذكر الله وإذا تلى القرآن كقوله تعالى (إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) أراد بالأمد : الأجل ، كقوله :
...... إذا انتهى أمده (٢)
وقرئ : الأمدّ ، أى : الوقت الأطول (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين.
(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(١٧)
__________________
(١) أخرجه مسلم بلفظ «وبين أن عاتبنا الله» ووهم الحاكم فاستدركه.
(٢) قوله «كقوله إذا انتهي أمده» البيت من أوله :
كل حى مستكمل مدة العمر |
|
ومود إذا انتهى أمده .... اه عليان |
قلت : قد تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٢٧٧ فراجعه إن شئت. اه مصححه.