خولا ، ومال الله دولا ، يريد : من غلب منهم أخذه واستأثر به. وقيل : «الدولة» ما يتداول ، كالغرفة : اسم ما يغترف ، يعنى : كيلا يكون الفيء شيئا يتداوله الأغنياء بينهم ويتعاورونه ، فلا يصيب الفقراء. والدولة ـ بالفتح ـ : بمعنى التداول ، أى : كيلا يكون ذا تداول بينهم. أو كيلا يكون إمساكه تداولا بينهم لا يخرجونه إلى الفقراء. وقرئ دولة بالرفع على «كان» التامة كقوله تعالى : وإن كان ذو عسرة ، يعنى كيلا يقع دولة جاهلية ولينقطع أثرها أو كيلا يكون تداول له بينهم. أو كيلا يكون شيء متعاور بينهم غير مخرج إلى الفقراء (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ) من قسمة غنيمة أو فيء (فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ) عن أخذه منها (فَانْتَهُوا) عنه ولا تتبعه أنفسكم (وَاتَّقُوا اللهَ) أن تخالفوه وتتهاونوا بأوامره ونواهيه (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن خالف رسوله ، والأجود أن يكون عاما في كل ما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عنه ، وأمر الفيء داخل في عمومه. وعن ابن مسعود رضى الله عنه : أنه لقى رجلا محرما وعليه ثيابه فقال له : انزع عنك هذا (١) فقال الرجل : اقرأ علىّ في هذا آية من كتاب الله. قال : نعم ، فقرأها عليه.
(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)(٨)
(لِلْفُقَراءِ) بدل من قوله (لِذِي الْقُرْبى) والمعطوف عليه (٢) والذي منع الإبدال من : لله
__________________
(١) أخرجه ابن أبى شيبة حدثنا معاوية بن هشام حدثنا الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن ابن يزيد عن ابن مسعود به ، وأخرجه ابن عبد البر في العلم من طريق يحيى بن آدم عن عطية وأبى بكر بن عباس عن ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن زيد قال «لقى عبد الله بن مسعود» فذكره.
(٢) قال محمود : «هو بدل من قوله لذي القربى وما بعده والذي منع الابدال من لله وللرسول ... الخ» قال أحمد : مذهب أبى حنيفة أن استحقاق ذوى القربى أسهمهم من الفيء موقوف على الفقراء حتى لا يستحقه أغنياؤهم ، وقد أغلظ الشافعي رضى الله عنه فيما نقله عنه إمام الحرمين الرد على هذا المذهب بأن الله تعالى علق الاستحقاق بالقرابة ولم يشترط الحاجة ، وعدم اعتبار القرابة مضادة ومحادة ، واعتذر إمام الحرمين لأبى حنيفة بأن الصدقات لما حرمت عليهم كان فائدة ذكرهم في خمس الفيء والغنيمة أنه لا يمنع صرف ذلك إليهم امتناع صرف الصدقات ، ثم أتبع هذا العذر بأن قال : لا ينبغي أن يعبر به ، فان صيغة الآية ناصة على تعين الاستحقاق لهم تشريفا لهم وتنبيها على عظم أقدارهم ، فمن حمل ذلك على جواز الصرف إليهم مع معارضة هذا الجواز بجواز حرمانهم فقد عطل فحوى الآية ، ثم استعظم الامام وقع ذلك عليهم لأنهم يذهبون إلى اشتراط الايمان في رقبة الظهار زيادة على النص ، فيأتون في إثبات ذلك بالقياس لأنه يستنتج ، وليس من شأنه الثبوت بالقياس. قال : فكذلك يلزمهم أن يعتقدوا أن اشتراط الفقر في القرابة واشتراط الحاجة لقرب ما ذكروه بغرض القرب ، فأما وإن أصلهم المخصوصون من نسب الرسول عليه الصلاة والسلام والثابتون من شجرته كالعجمة ، فلا يبقى مع هذا لمذهبهم وجه انتهى كلام الامام وإنما أوردته ليعلم أن معارضته لأبى حنيفة على أن اشتراط الحاجة عند أبى حنيفة مستند إلى قياس أو نحوه من الأسباب الخارجة من الآية. فلذلك ألزمه أن يكون زيادة على النص ، فأما وقد تلقى أبو حنيفة اعتبار