وللرسول والمعطوف عليهما ، وإن كان المعنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عزّ وجل أخرج رسوله من الفقراء في قوله (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) وأنه يترفع برسول الله عن التسمية بالفقير ، وأن الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم الله عزّ وجل (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) في إيمانهم وجهادهم.
(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٩)
(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا) معطوف على المهاجرين ، وهم الأنصار. فإن قلت : ما معنى عطف الإيمان على الدار ، ولا يقال : تبوّؤا الإيمان؟ قلت : معناه تبوّؤا الدار وأخلصوا الإيمان ، كقوله :
علفتها تينا وماء باردا
أو : وجعلوا الإيمان مستقرا ومتوطنا لهم لتمكنهم منه واستقامتهم عليه ، كما جعلوا المدينة كذلك. أو : أراد دار الهجرة ودار الإيمان ، فأقام لام التعريف في الدار مقام المضاف إليه ، وحذف المضاف من دار الإيمان ووضع المضاف إليه مقامه. أو سمى المدينة لأنها دار الهجرة
__________________
الحاجة من تقييد هذا البدل المذكور في الآية ، فإنما يسلك معه في واد غير هذا فيقول هو بدل من المساكين لا غيره. وتقريره أنه سبحانه أراد أن يصف المساكين بصفات تؤكد استحقاقهم ويحمل الأغنياء على إيثارهم وأن لا يجدوا في صدورهم حاجة مما أوتوا ، فلما قصد ذلك وقد فصل بين ذكرهم وبين ما يقصد من ذكر صفاتهم بقوله (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) إلى قوله (شَدِيدُ الْعِقابِ) طرى ذكرهم ليكون توطئة للصفات المتتالية بعده ، فذكر بصفة أخرى مناسبة الصفة الأولى مبدلة منها وهي الفقر ، لتشهد التطرية على فائدة الجمع لهم بين صفتي المسكنة والفقر ثم تليت صفاتهم على أثر ذلك وهي إخراجهم من ديارهم وأموالهم مهاجرين ، وابتغاؤهم الفضل والرضوان من الله ، ونصرهم لله ورسوله ، وصدقهم في نياتهم ، إلى آخر ذلك ، فهذا هو الذي يرشد إليه السباق مؤيدا بالأصل فان ذوى القربى ذكروا بصفة الإطلاق : فالأصل بقاؤهم على ذلك حتى يتحقق أنهم مرادون بالتقييد. وما ذكرناه من صرف ذلك إلى المساكين يكفى في إقامة وزن الكلام ، فيبقى ذوو القربى على أصل الإطلاق ، وتلك قاعدة لا يسع الحنفية مدافعتها ، فإنهم يرون الاستثناء المتعقب للجمل يختص بالجملة الأخيرة ، لأن عوده إليها يقيم وزن الكلام وينقى ما تقدمهن على الأصل ، ولا فرق بين التعقيب بالاستثناء والبدل وكل ما سوى هذا ، مع أنه لو جعل بدلا من ذوى القربى مع ما بعده : لم يكن إبداله من ذوى القربى إلا بدل بعض من كل ، فان ذوى القربى منقسمون إلى فقراء وأغنياء ولم يكن إبداله من المساكين إلا بدلا للشيء من الشيء ، وهما لعين واحدة ، فيلزم أن يكون هذا البدل محسوسا بالنوعين المذكورين في حالة واحدة ، وذلك متعذر لما بين النوعين من الاختلاف وللتباين ، وكل منهما يتقاضى ما يأباه الآخر ، فهذا القدر كاف إن شاء الله تعالى ، وعليه أعرب الزجاج الآية فجعله بدلا من المساكين خاصة ، والله تعالى الموفق للصواب.