ما حملك عليه؟ فقال : يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ، ولا غششتك منذ نصحتك. ولا أحببتهم منذ فارقتهم ، ولكنى كنت امرأ ملصقا في قريش. وروى : عزيزا فيهم ، أى : غريبا ، ولم أكن من أنفسها ، وكل من معكم من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهاليهم وأموالهم غيرى ، فخشيت على أهلى ، فأردت أن أتخذ عندهم يدا ، وقد علمت أن الله تعالى ينزل عليهم بأسه. وأن كتابي لا يغنى عنهم شيئا ، فصدّقه وقبل عذره ، فقال عمر : دعى يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ؛ فقال : «وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ففاضت عينا عمر وقال. الله ورسوله أعلم ، فنزلت. عدى «اتخذ» إلى مفعوليه ، وهما عدوى ، أولياء. والعدوّ : فعول ، من عدا ، كعفوّ من عفا ؛ ولكونه على زنه المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد. فإن قلت : (تُلْقُونَ) بم يتعلق؟ قلت : يجوز أن يتعلق بلا تتخذوا حالا من ضميره ؛ وبأولياء صفة له. ويجوز أن يكون استئنافا. فإن قلت : إذا جعلته صفة لأولياء وقد جرى على غير من هوله ، فأين الضمير البارز وهو قولك : تلقون إليهم أنتم بالمودّة؟ قلت : ذلك إنما اشترطوه في الأسماء دون الأفعال ، لو قيل : أولياء ملقين إليهم بالمودّة على الوصف. لما كان بد من الضمير البارز ، والإلقاء عبارة عن إيصال المودّة والإفضاء بها إليهم : يقال ألقى إليه خراشى صدره (١) ، وأفضى إليه بقشوره. والباء في (بِالْمَوَدَّةِ) إما زائدة مؤكدة للتعدى مثلها في (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وإما ثابتة على أن مفعول تلقون محذوف ، معناه : تلقون إليهم أخبار رسول الله بسبب المودّة الى بينكم وبينهم. وكذلك قوله (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) أى : تفضون إليهم بمودتكم سرا. أو تسرون إليهم إسرار رسول الله بسبب المودّة. فإن قلت : (وَقَدْ كَفَرُوا) حال مماذا؟ قلت : إما من (لا تَتَّخِذُوا) وإما من (تُلْقُونَ) أى : لا تتولوهم أو توادّونهم وهذه حالهم. و (يُخْرِجُونَ) استئناف كالتفسير لكفرهم وعتوّهم. أو حال من كفروا. و (أَنْ تُؤْمِنُوا) تعليل ليخرجون ، أى يخرجونكم لإيمانكم. و (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ) متعلق بلا تتخذوا ، يعنى : لا تتولوا أعدائى إن كنتم أوليائى. وقول النحويين في مثله : هو شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه. و (تُسِرُّونَ) استئناف ، ومعناه : أىّ طائل لكم في إسراركم وقد علمتم أن الإخفاء والإعلان سيان في علمى لا تفاوت بينهما ، وأنا مطلع رسولي على ما تسرون (وَمَنْ يَفْعَلْهُ) ومن يفعل هذا الإسرار فقد أخطأ طريق الحق والصواب. وقرأ الجحدري : لما جاءكم ، أى : كفروا لأجل ما جاءكم ، بمعنى : أن ما كان يجب
__________________
(١) قوله «يقال ألقى اليه خراشى صدره» في الصحاح «الخرشاء» مثل الحرباء : جلد الحية وقشرة البيضة بعد أن يخرج ما قبلها ، ثم يشبه به كل شيء فيه انتفاخ وتعتق كالرغوة ، وقد يسمى البلغم خراشاء. يقال : ألقى خراشى صدره ، اه. (ع)