(عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٧)
ولما نزلت هذه الآيات : تشدّد المؤمنون في عداوة آبائهم وأبنائهم وجميع أقربائهم من المشركين ومقاطعتهم ، فلما رأى الله عز وجل منهم الجدّ والصبر على الوجه الشديد وطول التمني للسبب الذي يبيح لهم الموالاة والمواصلة : رحمهم فوعدهم تيسير ما تمنوه ، فلما يسر فتح مكة أظفرهم الله بأمنيتهم ، فأسلم قومهم ، وتمّ بينهم من التحاب والتصافي ما تمّ. وقيل: تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّ حبيبة ، فلانت عند ذلك عريكة أبى سفيان واسترخت شكيمته في العداوة ، وكانت أمّ حبيبة قد أسلمت وهاجرت مع زوجها عبد الله بن أبى جحش إلى الحبشة ، فتنصر وأرادها على النصرانية ، فأبت وصبرت على دينها ، ومات زوجها ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي فخطبها عليه (١) ، وساق عنه إليها مهرها أربعمائة دينار ، وبلغ ذلك أباها فقال : ذلك الفحل لا يقدع أنفه (٢). و (عَسَى) وعد من الله على عادات الملوك حيث يقولون في بعض الحوائج : عسى أو لعل : فلا تبقى شبهة للمحتاج في تمام ذلك. أو قصد به إطماع المؤمنين ، والله قدير على تقليب القلوب وتغيير الأحوال وتسهيل أسباب المودة (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن أسلم من المشركين.
(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ
__________________
(١) هكذا ذكره الثعلبي بغير سند. ومجموعه مفرق في أحاديث. وروى أبو داود والحاكم من رواية الزهري عن عروة عن أم حبيبة «أنها كانت تحت عبد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة. فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف. وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة» وروى الحاكم عن الزهري قال «تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبى سفيان. وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش الأسدى. وكان قد هاجر بها من مكة إلى الحبشة ثم افتتن وتنصر ومات نصرانيا وأثبت الله الإسلام لأم حبيبة حتى رجعت إلى المدينة فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه عثمان بن عفان» قال الزهري وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي فزوجها إياه وساق عنه أربعين أوقية» وروى الواقدي في المغازي ومن طريقه الحاكم من رواية جعفر بن محمد عن أبيه قال «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية إلى النجاشي خطب عليه أم حبيبة ، وأصدقها من عنده أربعمائة دينار» قال الواقدي : حدثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبى عون قال : لما بلغ أبا سفيان بن حرب نكاح النبي صلى الله عليه وسلم ابنته قال : ذاك الفحل لا يقدع أنفه» وقال أبو نعيم في الدلائل «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي فزوجه أم حبيبة بنت أبى سفيان وأصدقها عنه أربعمائة دينار ، وبعث بها إليه ، وقال : وكان ذلك في سنة ست من الهجرة بعد رجوعه من خيبر ولا أعلم في ذلك خلافا».
(٢) قوله «ذلك الفحل لا يقدع أنفه» اى لا يضرب أنفه ولا يكف وذلك لكونه كريما. أفاده الصحاح. (ع)