من عمله وهو : الكفر ، وعبادة الأصنام ، والظلم ، والتعذيب بغير جرم (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) من القبط كلهم. وفيه دليل على أنّ الاستعاذة بالله والالتجاء إليه ومسألة الخلاص منه عند المحن والنوازل : من سير الصالحين وسنن الأنبياء والمرسلين : (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ). (فِيهِ) في الفرج. وقرأ ابن مسعود : فيها ، كما قرئ في سورة الأنبياء ، والضمير للجملة ، وقد مرّ لي في هذا الظرف كلام. ومن بدع التفاسير : أنّ الفرج هو جيب الدرع ، ومعنى أحصنته : منعته جبريل ، وأنه جمع في التمثيل بين التي لها زوج والتى لا زوج لها ، تسلية للأرامل وتطييبا لأنفسهنّ (وَصَدَّقَتْ) قرئ بالتشديد والتخفيف على أنها جعلت الكلمات والكتب صادقة ، يعنى : وصفتها بالصدق ، وهو معنى التصديق بعينه. فإن قلت : فما كلمات الله وكتبه؟ قلت : يجوز أن يراد بكلماته : صحفه التي أنزلها على إدريس وغيره ، سماها كلمات لقصرها (١) ، وبكتبه : الكتب الأربعة (٢) ، وأن يراد جميع ما كلم الله به ملائكته وغيرهم ، وجميع ما كتبه في اللوح وغيره. وقرئ : بكلمة الله وكتابه. أى : بعيسى وبالكتاب المنزل عليه وهو الإنجيل. فإن قلت : لم قيل (مِنَ الْقانِتِينَ) على التذكير؟ قلت : لأنّ القنوت صفة تشمل من قنت من القبيلين ، فغلب ذكوره على إناثه. و (مِنْ) للتبعيض. ويجوز أن يكون لابتداء الغاية ، على أنها ولدت من القانتين ، لأنها من أعقاب هرون أخى موسى صلوات الله عليهما. وعن النبي صلى الله عليه وسلم : «كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا أربع : آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد. وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» (٣) وأما ما روى أنّ عائشة سألت
__________________
(١) قال محمود : «يجوز أن يراد بالكلمات الصحف التي أنزلها الله تعالى على إدريس وغيره : سماها كلمات لقصرها ... الخ» قال أحمد : هو يعتقد حدوث كلام الله ويجحد الكلام القديم. فلا جرم أن كلامه لا يعدو الاشعار بأن كلمات الله متناهية ، لأنه في الوجه الأول جعلها مجموعة جمع قلة لقصرها ، وفي الثاني حصرها بقوله «جميع» وأين وصفه لها بالقصر والحصر من الآيتين التوأمتين اللتين إحداهما قوله (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) والأخرى قوله (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ...) الآية وما هو في الحقيقة إلا غير مؤمن بكلمات الله تعالى ، فالحق أن كلام الله تعالى صفة من صفات كماله أزلية أبدية غير متناهية ، فهكذا آمنت امرأة فرعون المتلو ثناؤها في كتاب الله العزيز ، ثبتنا الله على الايمان ، ووقانا الخذلان ، والله المستعان.
(٢) قوله «وبكتبه الكتب الأربعة» لعلها علمت بالإنجيل والقرآن نزولهما. (ع)
(٣) أخرجه الثعلبي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة عن عمرو بن مرة سمع مرة عن أبى موسى بهذا. وأخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة عمرو بن مرة من هذا الوجه. قال : حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا يوسف القاضي حدثنا عمرو بن مرزوق بهذا. وهو في البخاري من رواية مرة عن أبى موسى دون ذكر خديجة وفاطمة