يأخذ منها قوت سنته ويتصدق بالباقي ، وكان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل ، وما في أسفل الأكداس ، (١) وما أخطأه القطاف من العنب ، وما بقي على البساط الذي يبسط تحت النخلة إذا صرمت ، فكان يجتمع لهم شيء كثير ، فلما مات قال بنوه : إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال ، فحلفوا ليصر منها مصبحين في السدف (٢) خفية عن المساكين ، ولم يستثنوا في يمينهم ، فأحرق الله جنتهم. وقيل : كانوا من بنى إسرائيل (مُصْبِحِينَ) داخلين في الصبح مبكرين (وَلا يَسْتَثْنُونَ) ولا يقولون إن شاء الله. فإن قلت. لم سمى استثناء ، وإنما هو شرط؟ قلت : لأنه يؤدى مؤدى الاستثناء ، من حيث أن معنى قولك : لأخرجنّ إن شاء الله ، ولا أخرج إلا أن يشاء الله. واحد (فَطافَ عَلَيْها) بلاء أو هلاك (طائِفٌ) كقوله تعالى (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) وقرئ : طيف (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) كالمصرومة لهلاك ثمرها. وقيل : الصريم الليل ، أى. احترقت فاسودت. وقيل : النهار أى : يبست وذهبت خضرتها. أو لم يبق شيء فيها ، من قولهم : بيض الإناء ، إذا فرغه. وقيل الصريم الرمال (صارِمِينَ) حاصدين. فإن قلت : هلا قيل : اغدوا إلى حرثكم ، وما معنى (عَلى)؟ قلت : لما كان الغدوّ إليه ليصرموه ويقطعوه : كان غدوّا عليه ، كما تقول : غدا عليهم العدوّ. ويجوز أن يضمن الغدوّ معنى الإقبال ، كقولهم : يغدى عليه بالجفنة ويراح ، أى : فأقبلوا على حرثكم باكرين (يَتَخافَتُونَ) يتسارّون فيما بينهم. وخفى ، وخفت ، وخفد : ثلاثتها في معنى الكتم ، ومنه : الخفدود للخفاش (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا) أن مفسرة. وقرأ ابن مسعود بطرحها بإضمار القول ، أى يتخافتون يقولون لا يدخلنها ، والنهى عن الدخول للمسكين نهى لهم عن تمكينه منه ، أى : لا تمكنوه من الدخول حتى يدخل ، كقولك : لا أرينك هاهنا. الحرد : من حردت السنة إذا منعت خيرها ، وحاردت الإبل إذا منعت درّها. والمعنى : وغدوا قادرين على نكد ، لا غير عاجزين عن النفع ، يعنى أنهم عزموا أن يتنكدوا على المساكين ويحرموهم وهم قادرون على نفعهم ، فغدوا بحال فقر وذهاب مال لا يقدرون فيها إلا على النكد والحرمان ، وذلك أنهم طلبوا حرمان المساكين فتعجلوا الحرمان والمسكنة. أو وغدوا على محاردة جنتهم وذهاب خيرها قادرين ، بدل كونهم قادرين على إصابة
__________________
ـ السرعة ، أى : غدوا مسارعين نشطين لما عزموا عليه من الحرمان. ومعنى (قادِرِينَ) على هذا التأويل : عند أنفسهم. وقيل : حرد اسم الجنة المذكورة ، وقولهم (إِنَّا لَضَالُّونَ) قالوه في بديهة أمرهم دهشا لما رأوا ما لم يعهدوه فاعتقدوا أنهم ضلوا عنها وأنها ليست هي ، ثم لما تبينوا وأيقنوا أنها هي أضربوا عن الأول إلى قولهم (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ).
(١) قوله «وما أسفل الأكداس» في الصحاح «الكدس» بالضم : واحد الأكداس الطعام (ع).
(٢) قوله «مصبحين في السدف خفية» في الصحاح «السدفة» في لغة نجد : الظلمة ، وفي لغة غيرهم الضوء. (ع)