وهو جهم بن صفوان ، ومن أحس بعظم مضارّ ففد هذا العلم علم مقدار عظم منافعه. وقرئ : يوم نكشف بالنون. وتكشف بالتاء على البناء للفاعل والمفعول جميعا ، والفعل للساعة أو للحال ، أى : يوم تشتدّ الحال أو الساعة ، كما تقول : كشفت الحرب عن ساقها على المجاز. وقرئ : تكشف بالتاء المضمومة وكسر الشين ، من أكشف : إذا دخل في الكشف. ومنه. أكشف الرجل فهو مكشف ، إذا انقلبت شفته العليا. وناصب الظرف : فليأتوا. أو إضمار «اذكر» أو يوم يكشف عن ساق كان كيت وكيت ، فحذف للتهويل البليغ ، وإن ثم من الكوائن ما لا يوصف لعظمه. عن ابن مسعود رضى الله عنه : تعقم أصلابهم ، أى ترد عظاما بلا مفاصل لا تنثني عند الرفع والخفض. وفي الحديث : وتبقى أصلابهم طبقا واحدا ، أى. فقارة واحدة. فإن قلت : لم يدعون إلى السجود ولا تكليف؟ قلت : لا يدعون إليه تعبدا وتكليفا ، ولكن توبيخا وتعنيفا على تركهم السجود في الدنيا ، مع إعقام أصلابهم والحيلولة بينهم وبين الاستطاعة تحسيرا لهم وتنديما على ما فرّطوا فيه حين دعوا إلى السجود ، وهم سالمون الأصلاب (١) والمفاصل ممكنون مزاحو العلل فيما تعبدوا به.
(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)(٤٥)
يقال : ذرني وإياه ، يريدون كله إلىّ ، فإنى أكفيكه ، كأنه يقول : حسبك إيقاعا به أن تكل أمره إلىّ وتخلى بيني وبينه ، فإنى عامل بما يجب أن يفعل به مطيق له ، والمراد : حسبي مجازيا (٢) لمن يكذب بالقرآن ، فلا تشغل قلبك بشأنه وتوكل علىّ في الانتقام منه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتهديدا للمكذبين. استدرجه إلى كذا : إذا استنزله إليه درجة فدرجة ، حتى يورطه فيه. واستدراج الله العصاة أن يرزقهم الصحة والنعمة ، فيجعلوا رزق الله ذريعة ومتسلقا إلى ازدياد الكفر والمعاصي (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) أى : من الجهة التي لا يشعرون أنه استدراج وهو الإنعام عليهم ، لأنهم يحسبونه إيثارا لهم وتفضيلا على المؤمنين ، وهو سبب لهلاكهم (وَأُمْلِي لَهُمْ) وأمهلهم ، كقوله تعالى (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) والصحة والرزق والمدّ في العمر : إحسان من الله وإفضال يوجب عليهم الشكر والطاعة ، ولكنهم يجعلونه سببا في الكفر باختيارهم ، فلما تدرجوا به إلى الهلاك وصف المنعم بالاستدراج. وقيل : كم من مستدرج بالإحسان إليه ، وكم من مفتون بالثناء عليه ، وكم من مغرور بالستر عليه. وسمى
__________________
(١) قوله «وهم سالمون الأصلاب» لعله سالمو الأصلاب بالاضافة. (ع)
(٢) قوله «والمراد حسبي مجازيا» الاستعمال المعروف : حسبك بى مجازيا. أو حسبك الله مجازيا. (ع)