إحسانه وتمكينه كيدا كما سماه استدراجا ، لكونه في صورة الكيد حيث كان سببا للتورّط في الهلكة ، ووصفه بالمتانة لقوّة أثر إحسانه في التسبب للهلاك.
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ)(٤٧)
المغرم : الغرامة ، أى لم تطلب منهم على الهداية والتعليم أجرا ، فيثقل عليهم حمل الغرامات في أموالهم ، فيثبطهم ذلك عن الإيمان (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) أى اللوح (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) منه ما يحكمون به.
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)(٥٠)
(لِحُكْمِ رَبِّكَ) وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) يعنى : يونس عليه السلام (إِذْ نادى) في بطن الحوت (وَهُوَ مَكْظُومٌ) مملوء غيظا ، من كظم السقاء إذا ملأه ، والمعنى : لا يوجد منك ما وجد منه من الضجر والمغاضبة ، فتبتلى ببلائه. حسن تذكير الفعل لفصل الضمير في تداركه. وقرأ ابن عباس وابن مسعود : تداركته. وقرأ الحسن : تداركه ، أى تتداركه على حكاية الحال الماضية ، بمعنى : لو لا أن كان يقال فيه تتداركه ، كما يقال : كان زيد سيقوم فمنعه فلان ، أى كان يقال فيه سيقوم. والمعنى : كان متوقعا منه القيام. ونعمة ربه : أن أنعم عليه بالتوفيق للتوبة وتاب عليه. وقد اعتمد في جواب «لو لا» على الحال ، أعنى قوله (وَهُوَ مَذْمُومٌ) يعنى أنّ حاله كانت على خلاف الذمّ حين نبذ بالعراء ، ولو لا توبته لكانت حاله على الذمّ. روى أنها نزلت بأحد حين حل برسول الله صلى الله عليه وسلم ما حل به ، فأراد أن يدعو على الذين انهزموا. وقيل : حين أراد أن يدعو على ثقيف. وقرئ : رحمة من ربه (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) فجمعه إليه ، وقربه بالتوبة عليه ، كما قال : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى)(فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أى من الأنبياء. وعن ابن عباس : ردّ الله إليه الوحى وشفعه في نفسه وقومه.
(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ(٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ)(٥٢)