(وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً)(١٠)
يقولون : لما حدث هذا الحادث من كثرة الرجم ومنع الاستراق ، قلنا : ما هذا إلا لأمر أراده الله بأهل الأرض ، ولا يخلو من أن يكون شرا أو رشدا ، أى : خيرا ، من عذاب أو رحمة ، أو من خذلان أو توفيق.
(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً)(١١)
(مِنَّا الصَّالِحُونَ) منا الأبرار المتقون (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) ومنا قوم دون ذلك ، فحذف الموصوف ، كقوله (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) وهم المقتصدون في الصلاح غير الكاملين فيه. أو أرادوا الطالحين (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) بيان للقسمة المذكورة ، أى : كنا ذوى مذاهب مفترقة مختلفة. أو كنا في اختلاف أحوالنا مثل الطرائق المختلفة. أو كنا في طرائق مختلفة ، كقوله :
كما عسل الطّريق الثّعلب (١)
أو كانت طرائقنا طرائق قددا على حذف المضاف الذي هو الطرائق وإقامة الضمير المضاف إليه مقامه ؛ والقدّة من قدّ ، كالقطعة من قطع ، ووصفت الطرائق بالقدد ، لدلالتها على معنى التقطع والتفرّق.
(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً)(١٢)
(فِي الْأَرْضِ) و (هَرَباً) حالان ، أى : لن نعجزه كائنين في الأرض أينما كنا فيها ، ولن نعجزه هاربين منها إلى السماء. وقيل : لن نعجزه في الأرض إن أراد بنا أمرا ، ولن نعجزه هربا إن طلبنا. والظن بمعنى اليقين ، وهذه صفة أحوال الجن وما هم عليه من أحوالهم وعقائدهم : منهم أخيار ، وأشرار ، ومقتصدون ، وأنهم يعتقدون أنّ الله عز وجل عزيز غالب لا يفوته مطلب ولا ينجى عنه مهرب.
(وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً)(١٣)
(لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى) هو سماعهم القرآن وإيمانهم به (فَلا يَخافُ) فهو لا يخاف ، أى فهو غير خائف ، ولأنّ الكلام في تقدير مبتدإ وخبر دخلت الفاء ، ولو لا ذاك لقيل : لا يخف. فإن
__________________
(١) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثاني صفحة ٩٢ فراجعه إن شئت اه مصححه.